للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غير الثاني، ويُقدَّم عهد الأول على اختيارِهِمْ، وأنه ليس لأهل الشورَى أن يعينوا واحداً منهم في حياة الخليفة، إلا أن يأْذَن لهم في ذلك، فإن خافوا انتشار الأمر بعْده استأذنوه، فإنْ أذِنَ، فعلوه، وأنه يجوز للخليفة أن ينُصَّ على من يختار خليفة بعْده، كما يجوز له أن يعْهَد إلى غيره، حتى لا يصحَّ إلا اختيار مَنْ نص عليه، كما لا يصح إلا تقليد مَنْ عهد إليه؛ لأنهما مِنْ حقوق خلافته، وأنه إذا عهد بالخلافة إلى غيره، فالعَهْد موقوف على قبول المُوَلَّى، واختلف في وقْت قبوله، فقيل: بعد موت المُولِّي؛ لأنه وقت نظره وقيامه بالأمور، والأصحُّ أن وقته ما بين عهْد المولِّي وموته؛ لتصير الإمامة مستقرة بالقبول، وفي "التتمة": أنه إذا امتنع المُوَلَّى من القبول، فيبايع غيره، وكأنه لا تولية، وهذا إذا جعلَ الأمر شورَى، فترك القوم الاختيارَ، لا يُجْبَرون عليه، وكأنه ما جُعِلَ الأمرُ إليهم.

والثالث: القهر والاستيلاء؛ فماذا مات الإمامُ فتصدَّى للإمامة مَنْ يستجمع شراثطها من غير استخلاف وبَيْعَة، وقَهَر الناس بشَوْكته وجُنوده، انعقدت الخلافة لانقياد الناس وانتظام الشَّمْل بما فَعَل، ولو لم يكن مستجمعاً للشرائط، بل كان فاسقاً أو (١) جاهلًا، فوجهان:

أظهرهما: أن الحكْم كذلك، وإن كان عاصياً بما فعل.

ولا يصير الشخْص إماماً بمجرد تفرُّده بشروط الإمامة في وقته [بل لا بد من أحد الطرق].

فصْلٌ: يجب طاعة الإِمام في أوامره ونواهيه؛ ما لم يخالِفْ حكْمَ الشرْع، رُوِيَ أنَّه -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "أَسْمَعُوا وَأَطِيعُوا، وَإنْ أُمّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ مُجَدَّعُ الأَطْرَافِ" (٢) وأنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ نَزَعَ يَدَهُ مِنْ طَاعَةِ إِمَامِهِ، فَإنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ القِيَامَةِ وَلاَ حُجَّةُ لَهُ" (٣) ولا فرق بين أن يكون عادلاً أو جائراً، روي [أن النبي]-صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ وُلِّيَ عَلَيْهِ وَالِ فَرآه يَأْتِي شَيئاً من مَعْصِيَةِ اللهِ، فَلْيَكْرَهُ مَا [يأتي] (٤) مِنْ مَعْصِيَةِ اللهِ، وَلاَ يَنْزِعَنَّ يَدَهُ مِنْ طَاعَتِهِ" (٥) ولأن المقصود مِنْ نصب الإِمام أن تتحد الكلمة، وتندفع الفِتَن، ولو لم توجِب الطاعة، والتأبِّي غالب على الطباع، استبدَّ كُلٌّ برأيه وثارت الفتنُ، ولا يجوز نصب إمامَيْنِ في


(١) في ز: و.
(٢) أخرجه مسلم من حديث أم الحصين بهذا وأتم منه، ومن حديث أبي ذر: أوصاني خليلي -صلى الله عليه وسلم- أن أسمع وأطيع ولو لعبد مجدع.
(٣) رواه مسلم من حديث ابن عمر.
(٤) في أ: أتى.
(٥) رواه مسلم من حديث عوف بن مالك بهذا وأتم منه، وفي المتفق عليه من حديث ابن عباس بلفظ: "من كره من أميره شيئاً فليصبر؛ فإن من خرج من السلطان شبراً. مات ميتة جاهلية".

<<  <  ج: ص:  >  >>