للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثاني: أن من يختضب قد يتخذ لموضع الخضاب غلافاً يحيط به، فهل يلحق ذلك بالمَلْبُوسِ المعتاد؟ وقد سبق الخلاف فيه.

والثالث: هو الأظهر: أن الخِضَاب تزيين للشَّعْرِ، فتردد القول في التحاقه بالترجيل بالدهن، والظاهر أنه لا يلتحق به، ولا تجب الفِدْيَة في خِضَاب اللِّحْيَةِ، ثم قال الإمام على المأخذ الأول: لا شيء على المرأة إذَا خضبت يَدَهَا بَعْدَ الإِحْرَامِ، وعلى الثَّاني والثالث يجري التردد أما على الثَّانِي فظاهر.

وأما على الثَّالِث فأشبه الغلاف بالقُفَّازَيْنُ، وقد عرفت من قبل خضابها يَدَيْهَا، وخضاب الرَّجُلِ شَعْرَ الرَّأْسِ. ويجوز للمحرم أن يفتصد، ويُحْتَجِم ما لم يقطع شَعْراً ولا بأس بنظره في المرآة. وعن الشافعي -رضي الله عنه- أنه كرهه في بعض كتبه (١).

قال الغزالي: النَّوْعُ الرَّابعُ التَّنَظُّفُ بِالحَلقْ، وَفِي مَعْنَاهُ القَلْمُ، وَتَجِبُ به الفِدْيَةُ سوَاءٌ أَبانَ الشَّعَر بإحْرَاقٍ أَوْ نَتْفٍ أَوْ غيْرِهِ مِنْ رَأْسِهِ أَوْ مِنَ البَدَنِ، وَلَوْ قَطَعَ يَدَ نَفْسِهِ وَعَلَيْهِ شَعَرَاتٌ فَلاَ فِدْيَةَ، ولو امْتَشَطَ لحْيَتَهُ فأنْتُتفَتْ شَعَرَاتٌ لَزِمَتِ الفِدْيَةُ، وَإِنْ شَكَّ في أَنَّهُ كَانَ مُنْسَلاً فَانْفَصَلَ أَو انْتُتِفَ بَالمُشْطِ فَفِي الفدْيَةِ قَوْلاَنِ لِمُعَارَضَةِ السَّبَبِ الظَّاهِرِ أَصْلَ الْبَرَاءَةِ.

قال الرافعي: حلق الشَّعْرِ قبل أَوانِ التحلل مَحْظُور، قال الله تَعَالى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ} (٢) الآية، وتتعلق به الفدية، فإن الله تَعَالَى أوجب الفِدْيَة على المَعْذُورِ في الحَلْقِ حيث قال تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ} (٣) الآية، وإذا وجبت الفِدْيَةُ على المعْذُورِ فعلى غَيْرِ المَعْذُورِ أَوْلى (٤)، ولا فرق بين شَعْرِ الرَّأْسِ وَالبَدَنِ. أما شَعْرُ الرَّأْسِ فَمَنْصُوصٌ عَلَيْهِ.

وأما غيره فالتنظيف والتّرَفه في إزالته أكْثَر. وَذَكَر المُحَامِلِيّ أن في رواية عن مالك


(١) قال النووي: المشهور من القولين: أنه لا يكره، ويجوز للمحرم إنشاد الشعر الذي يجوز للحلال إنشاده. والسنة: أن يلبد رأسه عند إرادة الإحرام، وهو أن يعقص شعره، ويضرب عليه الخطمي، أو الصمغ، أو غيرهما لدفع القمل وغيره، وقد صحت في استحبابه الأحاديث، واتفق أصحابنا عليه وصرحوا باستحبابه. ونقله صاحب "البحر" أيضاً عن الأصحاب.
(٢) سورة البقرة، الآية ١٩٦.
(٣) سورة البقرة، الآية ١٩٦.
(٤) الآية تدل على التحريم في شعر الرأس فقسنا عليه شعر سائر الجسد، وكذلك إزالة الظفر أيضاً لما فيهما من الترفه، وعبر في "المحرر" بحلق الشعر وقلم الظفر، وتعبير الكتاب أولى. قاله في "الدقائق": لأن إزالة الشعر تتناوله الحلق والسجود والاحراق والقص والإزالة بالنورة، وكذلك أيضاً إزالة اظفر تتناول القلم والكسر وغيرهما. ومراد المصنف هنا بالإزالة إنما هو إزالتها من نفسه كما تقدمت الإشارة إليه، واعلم أن إزالة الشعرة الواحدة حرام أيضاً، وهو لا يؤخذ من كلامه هنا لتعبيره بالشعر.

<<  <  ج: ص:  >  >>