وقوله:"وفي بعْضه البغض بالنسبة"، يعني إذا قطع بعْض المارِنِ، اعتبر [الباقي] بالمساحة، وأخذ قسط المقطوع من الدية، ثم الاعتبار بالجملة التي يقابلُها الدية، وفيه الخلافُ الذي بيَّناه.
" فَرْعٌ"
لو شق مارنه، فذهب منه شيء، ولم يلتئم، فعليه من الدية قسطُ الذاهب، وإن لم يذهب منه شيء التام أو لم يلتئم، فعليه الحكومة، ولو انجبرت القصبةُ بعْد الكسر، فعليه الحكومةِ، فإن بقي معوجّاً، كانت الحكومة أكثر.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: في قطع الشفتين، إذا استوعبَنا كمالَ الدية؛ لما رُوِيَ في كتاب عمرو بْن حزم -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- الَّذي تكرَّر ذكره، وفي الشفتين الدِّية، ولأن فيهما جمالاً ومنفعةً ظاهرةً لما يتعلَّق بهما من تمام الكلام، وإمساك الرِّيق والطعام، ولا فرق بين أن يكُونا غليظتَيْن أو رقيقتَيْنِ، كبيرتين أو صغيرتين، وفي إحداها نصفُ الدية، وتستوي في ذلك العليا والسفلى، وإن فرض تفاوتٌ في المنفعة، كما في اليدين والأصابع، وبه قال أبو حنيفة، وهو روايةٌ عن مالك، ويروَى عنه أن في العليا ثُلُثَ الدية، وفي السفلَى الثلثين؛ لأنها التي تمسك الريق والطعام، وتتحرَّك عند المضغ والكلام، وقد تعكس الرواية , ويقال: يجبُ في العليا الثلثان، وفي السفلَى الثلُثُ؛ لأن الجمال في العليا أكثر، وبجب بقطع بعض الشفة بعْضُ الدية على ما يقتضيه التقسيطُ، وحدُّ الشفة في عُرْض الوجه إلى الشِّدْقين، وقد يقال: حدُّ الشفَةِ في الطُّول فتحةُ الفم من الجانب إلى الجانب الآخر، وهذه العبارة معناها معنى الأوَّل، والمراد بالطول طُول الفم، وأما في عرض الفم (١) فقد جمع الإِمام في حدِّها أوجهاً: أحدها: أنه من المتجافي إلى محلِّ الارتتاق؛ لوقوع الاسم عَلَى جميع ذلك، وموضع الارتتاق من الأعلى يقرب من الوترة، ومن الجانب الأسفل يقع في محاذاة نهاية العَنْفَقَةِ.
والثاني: أن الشفة من حرف الفم إلى المَوْضِع الذي يستر اللِّثة، وعُمُورَ الأسنان، ولا يكاد هذا القائل يُسَلِّم تناول الاسم ما وراء ذلك.