وعن مالك وأبي حنيفة: أنها تختص بأوْلاَدِ العَبَّاسِ -رضي الله عنهم-، وهو وجه لأصحابنا، ومنهم من ينقل الاختصاص ببني هَاشِمٍ.
ولو استحدثت صقاية للحاج فللمقيم بشأنها ترك المبيت أيضاً، قاله في "التهذيب"، وذكر القَاضِي ابْنُ كِجٍّ وغيره أنه ليس له ذَلِكَ، ومن المعذورين الذين ينتهون إلى عَرَفَةَ لَيْلَة النَّحْرِ ويشغلهم الوُقوفُ عَنِ المبيت بِمُزْدَلِفَةَ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِمْ، وإنَّمَا يُؤْمَرُ بَالمَبِيتِ المُتَفَرِّغُونَ لَهُ.
ولو أفاض الحَاجُّ مِنْ عَرَفَةَ إلى مكَّة، وطاف للإفَاضَةِ بعد نصف اللَّيْلِ، ففاته المبيت لِذَلك فَعَنِ القَفَّالِ: أنه لا يلزمه شيء تنزيلا لاشْتِغَالِهِ بالطَّوَافِ منزله اشْتِغَالِهِ بالوُقُوفِ. قال إمام الحَرَمَيْنِ: وفيه احتمال؛ لأن من ينتهي إلى عَرَفَة لَيلاً مضطر إلى ترك المبيت، بخلاف المُفِيض إلى مكَّة. ومن المَعْذُورينَ من له مَالٌ يخاف ضَيَاعه لو اشتغل بالمَبِيت، أو مريضٌ يحتاج إلى تَعَهّدِهِ، أو كان يَطْلُبُ عبدًا آبقاً، أو يشتغل بأمر آخر يخاف فوته، ففي هؤلاء وجهان:
أصحهما: ويحكى عن نصه: أنه لا شَيْءَ عليهم بترك المبيت كالرّعَاةِ، وأهل السِّقَايَةِ، وعلى هذا فلهم أن يَنْفرُوا بعد الغُرُوبِ.
والثاني: أنهم لا يلحقون بالرُّعَاةِ وأهل السِّقَايَةِ؛ لأن شُغْلَهُم يَنْفَعُ الحَجِيجَ عَامَّة، وأعذار هؤلاء تَخْصُّهُمْ، والله أعلم.
قال الرافعي: إذا فَرَغَ الحَجِيجُ من طواف الإِفَاضَةِ عادوا إلى مِنىً، وَصَلُّوا بها الظُّهْرَ، وَيَخْطُبُ الإمامُ بِهِم بَعْدَ الظهرِ، ويعلمهم فيها سُنَّة الرَّمْي، والنحر، والإفاضة، ليتدارك من أخلَّ بشيء منها، ويعلِّمهم رمي أيام التَّشْرِيق، وحكم المبيت، والرّخصة للمعذورين.
ونقل الحَنَّاطِي وَجْهاً: أن مَوْضِعَ هذه الخُطْبَة مكة، ويستحب أن يَخْطُبَ بهم اليَوْمِ الثَّانِي من أيام التَّشْرِيقِ، ويعلّمهم جواز النَّفْرِ فيه، ويودعهم ويأمرهم بختم الحَجِّ بطاعة الله تعالى. وعند أبي حنيفة: لا تُسَنُّ هذه الخطبة، ولا خطبة يَوْمَ النَّحْرِ، ولكن يخطب بهم في اليَوْمِ الأول من أَيَّامِ التَّشْرِيق.