للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الفصل الأول في بيان الورثة والتوريث]

قَالَ الرَّافِعِيُّ: نَصدِّرُ الكِتابِ بَعْدَ حَمْدِ اللهِ تَعالَى بفَواتِحَ:

الفاتِحَةُ الأُولَى: أصْلُ الفرائِضِ في اللِّسَانِ الْحَزُّ، والقَطْعُ، وفُرْضةُ الْقَوْسِ، وفرضَتِها: الحَزُّ الَّذِي يقعُ فِيهِ الوَتَرُ، وفُرْضَةُ الَّنهْرِ ثُلْمَتُه الَّتِي منْهَا يُسْتَقَى، والمِفْرَضُ: الحَدِيدَة الَّتي يُحَزُّ بِها، وفَرَضَ الله تعالَى، أي: أوْجَبَ، وألزمَ، وافْتَرَضَ مثلُهُ، وهوَ الفَرْضُ والفَرِيضَةُ. قال في الصِّحاحِ (١): والفَرْضُ العَطِيَّة الموسُومَةُ، يُقالُ: ما أصَبْتُ منْهُ فَرْضاً ولا قَرْضاً.

وفَرَضْتُ الرَّجل وأفْرَضُهُ إذا: أَعْطَيْتُهُ، وفَرَضْتُ لَهُ في الدِّيوانِ، فقالَ العُلَمَاءُ: يُسمَّى العِلْمُ بقسمةِ المواريثِ "الفرائض" -فصاحِبُ هَذَا العِلْم الفَرْضِيُّ؛ لِمَا فيها مِنَ السِّهَام المُقَدَّرَةِ، والمَقَادِير المُنْقطِعَةِ المُفَضَّلَةِ، ومنْهُ قولُهُ تَعاَلَى: {نَصِيبًا مَفْرُوضًا} [النساء ١١٨] أي: مُقتَطَعَاً محْدُوداً، وقُرِئَ: {أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا} [النور: ١] أيْ: فَصَّلْناهَا.

وفيما جُمِعَ منْ كَلامِ ابْنِ اللَّبَان البَصْرِي وجْهٌ آخَرُ، وهو أنَّ تسميه "الفرائِضَ" منَ الوُجُوب واللُّزوم، إلاَّ أنَّ الفَرْضَ بمعنى الإيجابِ والإلْزامِ، مأْخُوذٌ من المَعْنَى الأوَّل، وهُوَ الاقتطاعُ؛ لأنَّ للفريضةِ معالِم وحُدُودًا مُقَدَّرةً، وإنْ جَازَا ذَلِكَ، جاز أن يُقَال: إنَّها مأْخُوذَةٌ من معْنَى العَطِيِّة؛ لأنَّ الاسْتِحْقَاقَ بالإرْثِ عطيَّةٌ من الشَّرْع، لكنَّهُ يُشْبهُ أنْ يُقالَ: استعمالُ هَذَا اللَّفْظِ في نَفْسِ الإعْطَاءِ مستعارٌ، وحقيقَتُهُ: قطْعُ شَيْءٍ من مالِ الدِّيوَانِ ونَحوِهِ، ومنهُ فَرَضَ له الحاكِمُ النفقةَ، وقولُهُ تَعالَى: {أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} [البقرة: ٢٣٦]، والله أعلم.

[الفاتحة] (٢) الثانيةُ: عن ابْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبيَ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "تَعَلَّمُوا الفَرائِضَ، وعَلَّمُوها النَّاسَ، فَإنِّي امرُؤٌ مَقْبُوضٌ، وإِنَّ الْعِلْمَ سَيُقْبَضُ، وَتَظْهَرُ الفِتَنُ، حَتَّى يَخْتَلِفَ الاثْنَانِ في الْفَرِيضَةِ، فَلا يَجِدانِ مَنْ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا" (٣).


(١) ينظر الصحاح ٣/ ١٠٩٧.
(٢) سقط من ب.
(٣) رواه [أحمد من حديث أبي الأحوص عنه نحوه بتمامه، والنسائي والحاكم والدارمي والدارقطني كلهم، من رواية عوف عن سليمان بن جابر عن ابن مسعود، وفيه انقطاع، وفي الباب عن أبي بكرة أخرجه الطبراني في الأوسط في ترجمة علي بن سعيد الرازي، وعن أبي هريرة رواه الترمذي من طريق عوف عن شهر عنه، وهما مما يعلل به طريق ابن مسعود المذكورة، فإن الخلاف فيه على عوف الأعرابي، قال الترمذي: فيه اضطراب].

<<  <  ج: ص:  >  >>