وأيضًا فإن قرابتهم متشعبة من الأم فكأنهم جميعاً أناث. هذا، وإذا اجتمع جماعة من الورثة فإما أن يكونوا في مرتبة واحدة وإما أن يكونوا في منازل شتى. والثاني، إما أن يعمهم اسم واجد وجهة واحدة، أو تكون أسماؤهم وجهاتهم مختلفة. فالقسم الأول -يجب أن يوزع عليهم لمساواتهم في المرتبة والدرجة فلا سبيل لتمييز واحد عن صاحبه ولا لاختصاص واحد دون الآخر بل هم في المعنى سواء. وأما القسم الثاني -وهو ما إذا كانوا في منازل شتى وعمهم اسم واحد وجهة واحدة. فالأقرب منهم يحجب الأبعد حرماناً. وذلك أن التوارث إنما شرع حثاً على التعاون وشد العرى المناصرة والمؤازرة. ولكل قرابة وتعاون كالرفق فيمن يعمهم اسم الأم والقيام مقام الأب فيمن يعمهم اسم الأب. والذب عنه فيمن يعمهم اسم العصوبة. ولا شك أنها في الأقرب أقوى فلذلك هو الذي يلام على تركه المؤازرة أشد اللوم. ولذا كان هو بالميراث أحق. وأما القسم الثالث فالأقرب والأنفع فيما علمه الله يحجب الأبعد نقصاناً وإنما ورث الزوج زوجته وورثته هي أيضاً مع أنه لا يتحقق فيهما واحد من المعاني السابقة كاملاً كما لم تشملهما آية {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} بطريق إلحاقهما بذوي الأرحام الذين تحقق فيهم أحد تلك المعاني -لوجوه- منها "أ" أن الزوجة ربما تلد من زوجها أولاداً هم من قوم الرجل لا محالة ومحل نسبه ومنصبه ومعلوم أن اتصال الولد بأمه لا ينقطع أبداً فمن هذه الوجهة تصير الزوجة بمنزلة ذوي الأرحام. فتستحق في الميراث الربع أو الثمن وأما الزوج فله ضعف نصيبها جرياً على القاعدة المتقدمة. ولما أن الزوج له رابطة خاصة بالانفاق عليها واستبداء ماله عندها ولأنه يأمنها على ما يملك حتى يخيل من شدة العلاقة أن جميع ما تركته أو بعضه هو حقه في الواقع فكان إخراج المال من يده شاقاً على نفسه فعالج الشرع هذا الداء بأن فرض له الربع أو النصف ليكون جابر القلب كاسر السورة غضبه -وأيضاً فإن إلحاقهما بمن تقدم كان رأفة من الله ورحمة بعباده سبحانه هو الرؤوف الرحيم.