القسامة، وهو الاقتصاص، وإن كان المُدَّعي قَتْلاً لا يوجب القصاص، أو قتلا بوجبه، وقلنا:[لا] يناط القصاص بالقسامة، فقولان: أطلقهما الأكثرون:
أحدهما: أن اليمين لا ترد على المُدَّعي؛ لأنه قد نكل عن اليمين في هذه الخصومة مرةً.
وأصحهما: الردُّ؛ لأنه، إنما نَكَل عن يمين القسامة، وهذه يمين أُخْرَى، والسبب الممكن من تلك الأَيْمان اللَّوْث، ومن يمين الرد نكولُ المدَّعَى عليه، فالنكولُ عن شَيْءٍ في مقامٍ لا يبطل حقًّا في مقام آخر، وعن الشيخِ أبي محمَّد: بناءُ القولَيْن على أن اليمين المردودة في الدم، هل تتعدَّد؟ إن قلنا: لا، فتُرَدُّ عليه؛ لأنه قد يرضى بيمينٍ واحدة، ولا يرغب في الأيمان المتعدِّدة، وإن قلنا بالتعدُّد، فلا تُرَدُّ، لاستوائهما في العدد والكيفية والفائدة، وحكى الامام عن بعضهم؛ أنا إن قلنا بتعدُّد اليمين المردودة، فلا ترد اليمينُ عليه قولاً واحدًا، وإن قلْنا بالاتحاد، فقولان، وقد يوجَّه الردُّ بأن نكول المدَّعَى عليه علامةٌ مشعرةٌ بصدور القتل منه، فتنضم إلى اللوْث، ويتأكَّد الظن الذي يستند إليه اليمين، ولو كانت الدعوى في غير صورة اللوْث، ونكل المدعَى عليه عن اليمين، والمُدَّعي عن اليمين المردودة، ثم ظهر لَوْثٌ، وأراد المدعي أن يُقْسم، فقد أجْرُوا القولَيْن في تمكينه منه، وقضية البناء المنقول عن الشيخ أبي محمَّد: القَطْعُ بعدم التمكين، أما إذا عَدَدْنا اليمين المردودة، فلتساوي اليمينَيْن، وأما إذا لم نَعْدُدْ، فلأنه إذا رغب عن اليمين الواحدة، فهو عن الخمسين أرغب.
ولو أقام المُدَّعي شاهداً واحدًا في دَعْوَى مالٍ، ونَكَلَ عن الحلف معه، ونكَلَ المدَّعَى عليه عن اليمين المَعْروضة علَيْه، فأراد المدَّعِي أن يحلف اليمين المردودة، عاد القولان المذكوران؛ لنكوله عن اليمين مرَّة، هكذا أطلقوه، وقضيَّة ما حكينا في أول المسألةِ أن يقال: لو جرى ذلك في دعْوَى القتل المُوجِب للقصاص، يمكَّن من اليمين المردودة، فلا خلاف؛ لأنه لا يستفيد باليَمِينِ مع الشاهد التَّمَكُّن من القصاص، ويستفيده باليمين المردُودَة.
" فَرْعٌ"
إذا حلف المدَّعَى عليه، تخلَّص عن المطالبة، كما في سائر الدعاوَى.
وقال أبو حنيفة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: إن وُجِدَ القتيلُ في قرية أو محِلَّة، يطالَبُ باني الخُطَّة, إن ظهرَ كونُ القتل عمداً؛ بأن حُزَّت الرقبة، وعاقلة الباني إن كان يُتوهَّم كونُه خطأً، بأن كان الموْتُ برمية، وإن وُجِدَ في مسْجد، طُولِبَ باني المسْجد أو عاقلته، فإن لم يُوجَد الباني أو لم يُعْرف، طولب بالدية جميعُ أهْل المحِلَّة الحالفُ وغيره.