للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

اللفظ مُتَرَدِّدٌ بين المَعْنَيَيْنِ، فإن لم يَتَحَقَّقَا، لم تحصل الثِّقَةُ بالعتق، ولْيَجْرِ هذا الخِلاَفُ في سائر التعليقات؛ مثل أن يقول: إذا دَخَلْتِ الدار فأنت طَالِقٌ إن كلمت فلاناً؛ أيُعْتَبَرُ الكَلاَمُ بعد الدخول أم قبله؟ ونشأ من هذا المُنْتَهَى إِشْكَالٌ في شيء، وهو: أن الرجل لو قال لِعَبْدِهِ: إن رأيت العَيْنَ فأنت حر، والعَيْنُ اسْمٌ مشترك بين البَاصِرَةِ، وعَيْنِ الماء، والدينار، وأَحَدِ الإِخْوَةِ من الأَب والأُمِّ، ولم ينو المُعَلِّقُ شيئاً؛ فهل يُعْتَقُ العَبْدُ إذا رأى شَيْئاً منها؟ فيه تردد، والوجه الحُكْمُ بأنه يُعْتَق، وبه يضعف اعْتِبَارُ المَشِيئَتَيْنِ في مسألة المشيئة.

ولك أن تقول: إن لم تكن المسألة وِزَانَ المَسْأَلَةِ، فلا التزام، وإن كانت وِزَانَهَا، فليحصل العِتْقُ بالمشيئة في الحياة وَحْدَهَا هذا (١) وجه، وبالمشيئة بعد الموت وَحْدَهَا، كما في مسألة العَيْنِ، وهذا وجه وراء الوجوه الثلاثة، ثم الأَشْبَهُ أن اللفظ المُشْتَرَكَ لا يُرَادُ به جَمِيعُ معانيه، ولا يحمل عند الإِطْلاَقِ على جَمِيعِهَا، ويمكن أن يُؤْمَرَ بتعيين أحدهما، ومهما اعتبر المشيئة بعد الموَت على الفَورِ، فَأَخَّرَهَا بَطَلَ التَّعْلِيقُ، وإذا لم يعتبر الفَوْرُ، كما لو قال: فأنت حُرٌّ متى شئت -فعن القاضي أبي حَامِدٍ: أنه تُعْرَضُ عليه المشيئة، فإن امْتَنَعَ، فللورثة بَيْعَهُ، وكذا لو علَّق بِدُخُولِ غَيرِهِ بعد الموت، يُعْرَضُ عليه الدخول، وهذا كما أنه يقال للموصى له: إما أن تَقْبَلَ، وإما أن تَرُدَّ.

وهل للورثة بَيعْهُ قبل المشيئة وعرضها عليه؟

فيه الخِلاَفُ المذكور في الفَصْلِ السابق، وليعلمْ من لفظ الكتاب قَوْلَهُ: "على الفور" بالواو، وكذا قوله: "فلا يشترط الفور بعد الموت"، وقوله: "عتق بكل ما يسمى عيناً". وقد أشار في "الوسيط" إلى الخِلاَفِ فيه، كما أبدى الإِمَامُ التَّرَدُّدَ.

[فروع]

لو قال: إن شاء فلان وفلان، فَعَبْدِي حُرٌّ بعد موتي لم يكن مُدَبَّراً، إلاَّ إذا شَاءَا جميعاً. ولو قال: إذا مِتُّ فَشِئْتَ، فأنت مُدَبَّرٌ. فإذا لغو (٢)؛ لأن التَّدْبِيرَ لا يَحْصُلُ بعد الموت. وكذا لو قال: "إذا مِتُّ فَدَبِّرُوا هذا العَبْدَ".

ولو قال: إذا مِتُّ فَعَبْدٌ من عَبِيدِي حُرٌّ، ومات ولم يُبَيِّنْ أقْرعَ بينهم.

وعن نصه في "الأم": أنه لو قال: إذا قرَأْتَ الْقُرْآن بعد موتي فأنت حُرٌّ" لا يُعْتَقُ


(١) في أ: في.
(٢) هذا الذي قاله فيه نظر، والأشبه الصحة، فإن المعنى فأنت مدبر الآن وحمل الكلام على الإعمال أولى من الإهمال لا سيما إذا كان القائل يجهل أن الفاء للتعقيب، وقد قال الدارمي: لو قال إن فعلت كذا بعد موتي فأنت مدبر ففعل بعد موته عتق.

<<  <  ج: ص:  >  >>