للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسمعت بعْض أكابر العراق يَحْكِي عن القاضي أبي الطيِّب عن الشيخ أبي حامد تردُّداً في وقوع الطلاق؛ لمكان هذا الإِشكال، هكذا أسنده قال: وليس ذلك كما إذا علَّق طلاقَها بحيضها، فقالت: حضْتُ وكذبها، فَحَلَفَتْ، فإن اليمين حُجَّة شرعية يجوز بناء الحكْم عليها، وسبيل الجواب على ما أطبق علَيْه الأصحاب؛ أن الإقرار حجَّةٌ شرعيةٌ، كاليمينِ واليمينُ قد يستند إلى قرائن تفيد الظنَّ القويَّ، كما تحلف الَمرأة على نية الرَّجُل في كنايات الطَّلاق، فلذلك لا يَبْعد أن يستند الإِقرار إليها، فيحكم به والله أعلم.

قَالَ الغَزَالِيُّ: (الفَصْلُ الخَامِسُ في التَّعْلِيقِ بِالمَشِيئَةِ): فَإِذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ شِئْتِ فَقَالَتْ فِي الحَالِ: شِئْتُ: طُلِّقَتْ، وَإِنْ قَالَتْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ تُطَلَّق، وَلَوْ قَالَ لأجْنَبِىٍّ: إِنْ شِئْتَ فَزَوْجَتِي طَالِقٌ فَفِي وُجُوب الفَوْرِ خِلاَفٌ، وَكَذَلِكَ إِذَا عَلَّقَ عَلَى مَشِيئَةِ زَوْجَتِهِ الغَائِبَةِ، وَلَوْ قَالَ: إِنْ شِئْتِ وَشَاءَ أبُوكِ فَهَلْ يُعْتَبَرُ الفَوْرُ في مَشِيئَةِ أَبِيهَا؟ وَجْهَانِ، وَلَوْ قَالَتْ: شِئْتُ إِنْ شِئْتَ لَمْ تُطَلَّقْ إِذ المَشِيئَةُ لاَ تُعَلَّقْ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلاَثاً إلاَّ أَنْ يَشَاءَ أَبُوكِ وَاحِدَةً فَشَاءَ أَبُوهَا وَاحِدَةً لَمْ تُطَلَّقْ أَصْلاً، وَقِيلَ: تُطَلَّقُ وَاحِدَةً، وَلَوْ قَالَتْ: شِئْتُ وَهِيَ كَارِهَةٌ بَاطِناً طُلِّقَتْ عَلَى أَحَدِ الوَجْهَيْنِ، وَلَوْ قَالَتِ الصَّبِيَّةُ شِئْتُ فَوَجْهَانِ، وَلاَ نَظَرَ لِقَبُولِ المَجْنُونَةِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: تعليق الطلاق بمشيئة الله -تعالى جَدُّهُ- قد سَبَق حُكْمُه، وأمَّا إذا علَّق بمشيئة غيْره، فيُنْظَر؛ إن علَّق بمشيئة الزوجة على وجْه المخاطبة، فقال: أنتِ طالقٌ، إن شئْتِ، فيُشْتَرط مشيئتها في مجلس التواجب على ما سَبَق ذكْرُه في "الخُلْع"، فلو أخَّرَت، لم يَقَع، وهو موجه بمعنيين:

أحدهما: أن هذا التعليق استدعاءُ رغبةٍ وجوابٍ منها، فينزل منزلة القَبُول في العقود.

والثاني: أنه يتضمَّن تخييرها وتمليكها البُضْعَ، فكان كما لو قال: طلِّقي نفْسَكِ، ونقلنا في "الخلع" قولاً غريباً أنها متى شاءت، طُلِّقت، ولا يُشْترط الفور، فيجوز أن يُعْلَم بذلك قولُه "وإن قالَتْ بعد ذلك، لم تطلَّقْ" بالواو، ويُبْنَى على المعنيين ما لو قال لأجنبىٍّ: إن شئت، فزوجتي طالقٌ، إن علَّلنا اشتراط الفَوْر هناك؛ بأنه خطاب واستدعاء جواب، فكذلك يُشْتَرط هاهنا، وإن علَّلنا بمعنى التمليك، فلا, لأنه لا تمليكَ هاهنا، فأشبه التعليق بدخوله الدار أو بصفة أخرى، وهذا أظْهَر فيما ذكَره جماعة، ورأى صاحب "التتمة" الوجْه الأول، ولو علَّق الطلاق بمشيئة زوجته، لا على وجْه خطاب، بأن قال: زوْجَتِي طالقٌ، إن شاءت، فإنْ عللنا بأنه خِطَاب واستدعاء جوابٍ، فلا خطاب هاهنا، فلا يشترط الفَوْر، وإن عللنا بمعنى التمليك، يُشْترط، وعلى هذا فلو كانت المرأة حاضرةً، فينبغي أن تقول في الحالِ: شئْتُ: ليقع الطلاق، وإن كانت غائبةً،

<<  <  ج: ص:  >  >>