للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شِئْتِ، وقوله في الكتاب "إذا المشيئةُ لا تعلَّقُ" يمكن تنزيله على ما سبق أن المشيئة المعلَّق بها هي المشيئةُ المجزوم بها، ومثل هذه المشيئة لا مدْخَل للتعليق فيها، ويجوز أن يُعْلَم قولُه: "لم تُطَلَّق" بالواو؛ لأن أبا عبد الله الحناطي حكَى وجهاً غريباً؛ أنَّه يصحُّ تعليق المشيئة، ويقع الطلاق إذا قال الزوج: شِئْتِ، وقوله: "طُلِّقَتْ على أحد الوجْهَيْنِ" يعني في الباطن، وأما في الظاهر، فلا خلاف في وقوع الطلاق.

قَال الغَزَالِيُّ: (الفَصْلُ السَّادِسُ في مَسَائِلِ الدَّورْ): فَإِذَا قَالَ: إن طَلَّقْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلاَثاً انْحَسَمَ بَابُ الطَّلاَقِ عَلَى الوَجْهَيْنِ، وَقِيْلَ: إِذَا نَجَّزَ وَاحِدَةً وَقَعَتْ تِلْكَ الوَاحِدَةُ، وَقِيلَ يَقَعُ الثَّلاَثُ إِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ، وَمِنَ الدَّوْرِ أَنْ يَقُولَ: إِنْ آلَيْتُ أَوْ ظَاهَرْتُ أَوْ رَاجَعْتُ أَوْ فَسَخْتُ فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ، وَإِذَا قَالَ: إِنْ وَطِئْتُ وَطئاً مُبَاحاً فَأَنَتْ طَالِقٌ قَبْلَهُ فَوَطَئَ فَلاَ خِلاَفَ أنَّهَا لاَ تُطَلَّقُ قَبْلَهُ، وَمِنَ الدَّوْرِ أنْ يَقُولَ: إِنْ طَلَّقْتُ طَلْقَةً رَجْعِيَّةً فَأنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلاَثاً.

قَالَ الرَّافِعِي: إذا قال لامرأته: إذا طلَّقْتُك أو"إن طلقتك" أو "مهما" أو "متى" فأنْتِ طالقٌ قبله ثلاثاً، ثم طلقها ففيه ثلاثةُ أوجه:

أحدها: أنَّه لا يقع عليها الطلاق؛ لأنَّه لو وقَع لوقع ثلاثٌ قبْله، ولو وقَع ثلاثٌ قبله، لمَا وقع هذا الواحد، وإذا لم يقَعْ هذا الواحد (١)، لم يقع ما قبله؛ لأنه مشروط


(١) قيل: ما ذكره من انسداد باب الطلاق عليه ممنوع، فقد نقل الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد في كتاب اقتناص السوائح عن بعضهم انحلال الدور بأن يعكس فيقول كلما لم يقع عليك طلاقي فأنتِ طالقٌ قبله ثلاثاً، وحينئذٍ فإذا طلقها وجب أن يقع الثلاث القبلية؛ لأن الطلاق القبلي قد صار والحالة هذه معلقاً على النقيضين أعني وقوع المنجز وعدم وقوعه، وكلما كان لازماً للنقيضين فهو واقع قطعاً وهذه مقدمة عقلية لا تقبل المنع وقريب منه قولهم في الوكالة كلما عزلتك فأنتِ وكيل فيعاد العزل بأن يقول كلما عدت وكيل فأنت معزول، ثم يقول عزلتك. انتهى.
قال في الخادم: وهو مقتضى أن المأخذ في المسألتين واحد وليس كذلك وقد اعترض عليه جماعة منهم الشيخ برهان الدين بن الفركاح المسمى بالغزاوي في تعليقه فقال: لا نسلم أن مقتضى التعليق الأول وقوع القبلي وكيف يكون ذلك مقتضاه ووقوعه مستحيل لأن التفريع على صحة الدور وهو يستلزم امتناع وقوع المنجز والمعلق.
وأما التعليق الثاني فهو يقتضي وقوع القبلى على تقدير عدم وقوع المنجز وهو ليس بمستحيل لكن وقوع القبلي على تقدير عدم وقوع المنجز مستحيل للدور لأنه لو دفع بالتعليق الثاني لوقع قبله الثلاث وجاء الدور واعترض أيضاً بعض المتأخرين بما حاصله أنَّه لا يندفع الدور لأنه لو وقع الطلاق بما أحدثه من التعليق، لزم وقوع الطلاق الثلاث قبله، فالتعليق الأول متى وقع لم يقع بالتعليق الثاني شيء فالدور مستمر بحاله بخلاف ما إذا قال إن طلقتك فوقع عليك طلاقي أو لم يقع فأنتِ طالقٌ فإنه يقع ولا يمكن أن يقال فيه أنَّه لو وقع لوقع قبله، ثم قال إن الحكم بالوقوع =

<<  <  ج: ص:  >  >>