فكذلك إذا وجدْنَاهم في الصَّفِّ، ولا يَمْنَعُ من التعرُّضِ قولُ القائِلِ: إِنَّهم لا يقاتِلُون، أو إنَّهم لم يخرجُوا على قَصْدِ القتال، فإنَّ هذا المعنى مُتَحققٌ في حَقِّهم، وهم في بلادِهم قَارُّونَ وغارون، وهذا يجرُّ إلى طريقَةٍ قَوِيَّةٍ حَكَاهَا القاضِيَانِ: ابنُ كَجٍّ وأَبُو الطَّيِّبِ -قاطِعَةً بأن الأُجَرَاءَ يجوز قَتْلُهم، ورُبَّمَا نُسِبَ إِلى ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ، والخَارِقُونَ في مَعْنَاهُمْ لا مَحَالَةَ، ويُؤَيِّدُهَا ما سنذكُرُ إنْ شاء اللهُ تعالى في "السُّوقَةِ" وفي "الوَسِيطِ" موضع القولين في الشيخ الأَخْرقِ ما إذا لم يحضر القِتَالَ، فإن حضر. فالظاهِرُ أَنَّهُ يُقْتَلُ، ويحتمل أَنْ يَطَّرِدَ القولان، وأَنَّ ذَا الرأْي يُقْتَلُ إذا حَضَرَ، وإِنْ لم يحضرُ فَفِيه تردُّدٌ، والظاهِرُ أَنَّهُ يُقْتلُ، وفي السُّوقَةِ طريقان عن الشيخ أَبِي مُحَمَّدٍ:
أَحَدُهمَا: أَنَّ فيهم القولَيْن؛ لأنَّهم لا يمارسُون القتَالَ، ولا يتعاطَوْنَ الأسْلحة.
قال الإمامُ: وهذا لم يتعرَّضْ له الأئمةُ، وإن كان متوجهاً.
والثَّانِي: القطعُ بأنهم يُقْتَلُونَ؛ لِقُدْرَتِهم على القتالِ واستقلالهم.
[التفريع]
إِنْ قُلْنَا: يجوز قَتْلُهم، فيجوزُ اسْتِرْقَاقُهم، وسَبْيُ نِسَائِهم، وذَرَارِيهم، واغْتِنَامِ أَمْوَالهم. وَإِنْ قُلْنا: لا يجوزُ ففي اسْتِرْقَاقِهم طُرُقٌ.
أَظْهُرها: أنهم يرقُّونَ بنفس الأَمْرِ كالنساء والصبيان.
والثاني: أنَّ فيهم قَوْلَينِ كالأَسِير إذا أسلم قبل الاسْتِرْقاق، ففي قولٍ: يتعيّن رِقُّهُ، وفي قولٍ للإمام: أن يَرِقَّهُ أو أن يَمُنَّ عليه أو يُفَادِيَهُ.
والثَّالِثُ: عن رِوَايةِ صَاحِبِ "التَّقْريبِ" وَأَبِي يَعْقُوبَ الأبْيُوردِي عن النصِّ أنه لا يجوزُ استرقاقُهم، بل يُتْركُونَ، ولا يتعرض لهم، وهذا ما أورده في "التَّهْذِيبِ" ويخرج مِنْهَا عند الاِخْتِصَارِ ثلاثةُ أَوْجُهٍ كما ذكره في الكتاب، وفي جواب سَبْيِ نسائِهِم وذَرَارِيهم وجوهٌ أيضاً. ففي وجه: يجوزُ كإِرْقَاقِهم. وفي وَجْهٍ: لا يتعرّض لهم.
وفي الثالث: يجوزُ سَبْيُ نسائِهم ولا يجوزُ سَبْيُ ذَرَارِيهم؛ لأنَّهم أَبْعَاضُهم، وأجرى الخلاف في اغتنامِ الأَمُوالِ، وقال الإمامُ: مَنْ قال: لا تغنم أموال السوقة فقد قرب من خرق الإجماع.
وقولُه في الكتابِ:"والعَسِيفُ" يجوزُ إعلامُه بالواو لما ذكرناه مِنَ الطريقَةِ القاطِعَةِ، وكذا قولُه:"والحَارِفُ"، وأراد بالحارِفِ المشغُولَ بالحِرْفَةِ، وقد جمع في "الوسِيطِ" بين اللَّفظَيْنِ، وفي بَعْضِ النسخ بدله الحَارِث: يعني المشغُول بالحِراثة.