للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ الرَّافِعِيُّ: إذا قامت البَيِّنَةُ على المُدَّعَى عَلَيْهِ، وادعى أن المُدَّعِي باع منه العَيْنَ المُدَّعَاةَ، أو بَاعَهَا من بائعه، أو ادَّعَى أنه أَبْرَأَ عن الدَّيْنِ المدعى، وأنكر، فلا يَخْفَى أن القَوْلَ قوله، وأن المُدَّعَى عَلَيْهِ مُدَّع فيما يذكره، يحتاج إلى البَيِّنَةِ، فإن استَمْهَلَ ليأتي بالبَيِّنَةِ، أُمْهِلَ ثَلاثَةَ أيام؛ لأن هذه مُدَّةٌ قريبة، لا يَعْظُمُ الضَّرَرُ فيها، ومقيم البَيِّنَةِ يَحْتَاجُ إلى مِثْلِهَا، لاسْتيثَاقِ الشُّهُودِ، والفَحْصِ عن غَيْبَتِهِمْ، وحضورهم، واسْتِحْضَارِ الغائب منهم.

وقد ذكرنا في باب القَضَاءِ على الغائب نَحْوَ ذلك، وعن القاضي الحُسَيْنِ وَجهٌ آخر: أنه لا يُمْهَلُ أَكْثَرَ من يَوْمٍ وَاحِدٍ، وهذا يَقْتَضِي أن يُعَلَّمَ قوله في ذلك الباب: "ويمهل ثلاثة أيام" بالواو.

ولو ادَّعَى الإِبْرَاءَ، ولم يأت بِبَيِّنَةٍ، وقال: حَلِّفُوهُ أنه لم يُبْرِئْنِي، فَيُجَابُ إليه، ولا يُكَلَّفُ تَوْفِيَةَ الدَّيْنِ أَوَّلاً.

وعن القاضي وجه: أنه يُسْتَوْفَى منه الدَّيْنُ أَوَّلاً، ثم إن شاء حَلَفَ، فإنه دَعْوَى جَدِيدَةٌ. والظاهر الأول، وليس كما إذا قال لوكيل المُدَّعِي: أَبْرَأَنِي مُوَكِّلُكَ، حيث يُسْتَوْفَى الحَقُّ منه، ولا يؤخر إلى حُضُورِ الموكّل، وحلفه لِعِظَم الضَّرَرِ في التأخير؛ وهاهنا التحليف مُتَيَسِّرٌ في الحال، وكان التَّعَرُّضُ لِدَعْوَى إِبْرَاءِ المُوَكّل هاهنا، الإشارة إلى الفرق، وإلا فقد ذكر المَسْأَلَةَ مَرَّةً في القضاء على الغائب.

ولو قال: أَبْرَأَنِي عن هذه الدعوى، فهل يُسْمَعُ وَيُحَلَّفُ المُدَّعي؟ فيه وجهان عن الإصْطَخْرِيِّ:

[أحدهما] (١): نعم، ويحلف أنه لم يُبْرِئْ.

والثاني: المنع؛ لأن الإِبْرَاءَ عن نَفْسِ الدعوى، لا مَعْنَى له، إلا بِتَصْوِيرِ صُلْحٍ على الإِنْكار، وأنه بَاطِلٌ، وهذا ما أَوْرَدَهُ في الكتاب، واختاره القَفَّالُ.

وادعى الروياني في "التجربة": أن المذهب الأَوَّل، ووجّه بأنه لو أَقَرَّ أنه لا دَعْوَى له عليه، بَرِيءَ.

[فرع]

مُدَّعِي الدَّفْع إن قال: قَضَيْت، أو أبرأني (٢)، فذاك، إن أَطْلَقَ، وقال: لي بَيِّنَةٌ دَافِعَةٌ، كما هو لَفْظُ الكتاب، فَيُشْبِهُ أن يستفسر (٣)؛ لأنه قد يُتَوَهَّمُ ما ليس بِدَافِعٍ دَافِعَاً، إلا أن يعرف فِقْهَةُ، ومعرفته، وإذا عَيَّنَ جِهَةً، ولم يأت بالبَيِّنةِ عليها، وادعى عند انقضاء


(١) سقط في: ز
(٢) في ز: أبدأ لي
(٣) في أ: يستسر.

<<  <  ج: ص:  >  >>