قَالَ الرَّافِعِيُّ: إذا شكَّ الرجُل في طلاق امرأته، لم يُحْكَم بوقوع الطلاق؛ لأن الأصْل عَدَمُه وبقاء النكاح، وهذا كما أنَّه يَسْتَصْحِب أصْل التحريم عنْد الشكِّ في النِّكَاح, وأصْلَ الطهارة عنْد الشك في الحَدَث، وبالعكس قال الإِمام -رحمه الله- وهذا إذا انحسم باب الاجتهاد، وطرأ الشك يؤيد أحَدَ طرفي الشَّك باليقين السابق، ويستصحب ما كان، فأما إذا أمكن الاجتهاد؛ كمسائل الاختلاف نحو اختلاف العُلَمَاء في بَقَاء النِّكاح وعدمه مثلاً، فإنا لا نقول: تردُّدُنا في بقاء النكاح يستصحب الأصْل الذي كان، بل الطريق فيها الاجتهاد والاعتماد على الدلائلِ، والشكُّ في الطَّلاق قد يتفق في صورة التنجيز، وقدْ ينشأ في صُورة التعليق من الشك في حصول الصفة الملعَّق عليها، كما إذا قال: إنْ كان هذا الطائر غرابًا فزوجتي طالقٌ، وشَكَّ في أنه هل كان غراباً أو قال: إنْ كان غُرَاباً فزينبُ طالقٌ، وإن كان حَمَاماً، فعَمْرة طالقٌ، وتردَّد في أنه كان غراباً أو حماماً أو جِنْساً آخر، ولو شَكَّ في عَدَدِ الطَّلاق، فيأخذ بالأقَلِّ،
= بكل الأشياء إما بوجودها أو عدمها، فعند التحقيق الطلاق معلق في حقه تعالى بمشيئة العدم وفي حق غيره بالقدر الأعم وهو عدم مشبه الطلاق، وأما عجز الكلام وهو المستثنى فالقصد معلق رفع الطَّلاق بمشيئة الطلاق وحيئنذٍ بأن نظر في صدر الكلام. قلت: علق الوقوع على مشيئة الله لعدم فيكون كقوله إنَّ لم يشأ الله وعلى عدم مشيئة الطَّلاق وعلى هذا فيظهر عدم الوقوع في التعليق بمشيئة الله تعالى وضده في التعليق بمشيئة زيد على ما صححوه وإن نظرت إلى آخر الكلام فيكون الدفع على مشيئة الطلاق فينبغي أن يقع في حق زيد؛ لأنه أوقع الطلاق، وعلق رفعه على ما لم يعلم وجوده فيستمر حكم الإِيقاع، وفي مشيئة الله تعالى أولى بالوقوع؛ لأنه علق الرفع على محال إذ يستحيل وقفه مع مشيئة وقوعه ويظهر بهذا فساد الفرق المذكور، هذا كله على أحد الوجهين وهو أن المعنى إلا أن يشاء الطلاق، وإما على الوجه الصائر إلى أن يشاء عدم الطلاق، فإن روعي معنى التعليق كما في التقدير الأول ونظر إلى صدر الكلام، كان وقوعه معلقاً بمشيئة وقوعه في حقه تعالى، وبعدم مشيئة عدم الطلاق في حق زيد، وحيتنئذٍ فينبغي ألا يقع في الأول، ويجيء في الثاني الخلاف. انتهى ما أردت منه ولو لم أرَ هذا التحقيق لغيره في الشك في الطلاق.