للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصورة الثانية أظْهَرُ منه في الصورة الأولى؛ لأن التعليق إيقَاعٌ عنْد الشرط والاستثناء، كأنه استدراكٌ بعد الإيقاع، وقد شَكَكْنا في حصُول حالة الاستدراك، فلو قال: أنتِ طالقٌ اليوم إلا أن يشأ زيْدٌ أو يدخل الدار، فاليوم هاهنا بمثابة العمر ثَمَّ.

واعْلَم أن الأكثرين أجابوا بوقُوع الطَّلاق فيما إذا مَات، وشَكْكنا في حصول الفعل المعلَّق عليه، واحتج به من قال بالوُقُوع فيما إذا قال: أنتِ طالقٌ إلا أن يشاء الله، وقَالَ: ومشيئةُ الله مبهمةٌ كمشيئة زيْدٍ هاهنا، وكما يقع الطلاق فيما إذا قال: "إلا أنْ يَشَاءَ زَيْدٌ" وأشكل الحال، يقع الطلاق فيما إذا قال "إلا أن يَشَاءَ الله".

والذين لم يقولوا بالوقوع هناك منهم من فَرَّق أن المشيئة صفة طارئة على زَيْدٍ، والأصل عدمها ومشيئة الله قديمةٌ لا مَجَال فيها لهذا الأصْل، وهذا ضعيف؛ لما مرَّ أن الكلام في تعليق المشيئة لا في نفسها وأما الإِمام -رحمه الله-: فإنه اختار في هذه الصُّورة عَدَم الوقوع، كما في قوله: "إلا أن يَشَاءَ اللهُ" وكفى نفسه مؤنة الفَرْق، وهو أوجه (١) وأقوى في المَعْنَى، ويجوز أن يُعَلَّم قوله في الكتاب "فيلغو، ويَقَع" يجوز أن يعلَّم بالحاء؛ لأنه حكي أن الكرخي رَوَى عن أبي حنيفة -رحمه الله-، الوقوع كما حَكَاه القفَّال عن نص الشافعيِّ -رضي الله عنْه -.

ولْيُعْلَمْ أن قول القائل: "أنتِ طالقٌ إلا أن يشاء الله، أو إلا أن يشاء زيْدٌ" معناه إلا أن يشاء وقوع الطلاق، كما أن قوله: "أنتِ طالقٌ إن شاء الله" معناه إن شاء وقوع الطلاق وحينئذٍ فالطلاق معلَّق بعَدَم مشيئة الطَّلاق لا بمشيئة عدم الطلاق، وعدم مشيئة الطلاق تحصل، بأن يشاء عدم الطلاق وبأن لا يشاء شيئاً أصلاً أما بعدها بلغها خبر التعليق، أو من غير أن يبلغها الخَبَر، فعلى التقديرين؛ يقَع الطلاق، وإنَّما لا يَقَع إذا شاء زيْدٌ أن يقع، وذكر بعضُهم أن معناه "أنْتِ طالقٌ إلا يشاء زيْدٌ أن لا تُطَلَّقِي" وعلى هذا، فلو شاء أن تطلق تطلق، وكذلك ذكره في "التهذيب" والصحيح (٢) الأوَّل إلا أن يقول المعلِّق: أردتُّ الثاني.


(١) قال النووي: الأصح عدم الوقوع؛ للشك في الصفة الموجبة للطلاق.
(٢) قال في الخادم: قد يتبادر إلى الذهن تدافع كلامه فإنَّه قال أولاً إن معناه إلا أن يشاء وقوع الطلاق، ثم قال فالطلاق معلق بعدم شبه الطلاق وأيضاً فما ذكره ثانياً لا يستقيم له في المثالين بل الطلاق معلق في حقه تعالى بمثيئة العدم وفي حق غيره بعدم المشيئة، وبيان ذلك أنه إذا كان المعنى إلا أن يشاء الطلاق فصدر الكلام وهو المستثنى منه في المعنى معلق على عدم مشيئة الطلاق ويدخل تحته قسمان: مشتبه العدم وعدم المشبه.
لكن هذا إنما يتصور في حق غير الله تعالى لغروب الاستثناء عن علمه وما عمله قد لا يتعلق بمشيئة به، وأما الله تعالى فلا يغرب عن علمه شيء ولا يخرج شيء عن مشيئته بل مشيئته متعلقة =

<<  <  ج: ص:  >  >>