للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لو قال: أنتِ طالقٌ إن لم يشأ الله، أو ما لم يشأ الله، وقرب الخلاف في المسألة من الخلاف في مسألة دَوْر الطلاق؛ من جِهَة أنه لو وقع الطلاق، لكان بمشيئة الله، ولو شاء الله وقوعه لما وقع؛ لأن التعليق بعدم المشيئة، وقد يعكس فيقال: إذا لم يقع لم يشأ اللهُ وقوعه، وإذا لم يشأ حَصَلَت الصفة، فيجب أن يَقَع، لكن لو وَقَع، لَمَا وقع لِمَا تبين فإذن الشرط والجزاء متضادَّان لا يجتمعان، كما أنَّ في مسألة الدَّوْر، وقوع طلقة في الحال، وثلاث قبلها يتضادَّان، فاختلفوا فيه، كما في مسألة الدَّوْر، منْهم من ألغى اللفظ من أصله، ومنهم من ألْغَى ما يجيْء منه التضادُّ والدَّوْر، وليس هذا كالتعليق باجتماع السواد والبياض؛ فإن التضَادَّ هناك بين السواد والبياض، لا بين الشرط والجزاء، وأمَّا التعليق بالصُّعُود فسيأتي الكلام فيه، ثم الصعود مُمْكن في نفسه، والوقوع بخلاف المشيئة غيْر ممكنٍ، ولو قال: أنتِ طالقٌ إلا أن يشاء الله، فعن القفَّال أنَّه حكى عن النَّصِّ أنه لا يقع، واختاره؛ لأن هذه الصيغة أيضاً [إنما] تعليق لعَدَمِ المشيئة لأنها تُوجِبُ حَصْر الوقوع في حال عدم المشيئة، وعن ابن سُرَيْج -رحمه الله- أنَّه يقع الطلاق؛ لأنه أوقعه وجعل الخلاف المخرج عنْه المشيئة، وأنها غيْر معلومة، فلا يحصل الخلاص، وصار كما لو قال: أنتِ طالقٌ إلا أن يشاء زيد ولمْ تعلم مشيئة، فإنه يقع الطَّلاَق، وهذا ما أورده العراقيون، ورجَّحه صاحب "التهذيب" -رحمه الله-.

والأَقوى الأَوَّل وهو الذي صحَّحه الإِمام وغيْره وعليْه جَرَى صاحب الكتاب؛ فسوى بين الصيغتين، والراجح في الصيغة الأولى باتفاق الأصحاب عَدَم الوقوع.

وأما إذا قال: أنْتِ طالقٌ إن لم يشأْ زَيْدٌ، فاعْلَمْ أن تعليق الطَّلاَق بعدم مشيئة الغَيْر ودخولِهِ، وسائرِ أفعاله واحدٌ والحكم فيه أنه إن وُجِدَ منْه الدُّخُول أو المشيئة أو سائر الأفعال المعلَّق عليها في مدة عمره، لم يقع الطلاق، وإن لم يُوجَدْ، حتى مات، وقع الطلاق، إنَّما يقع قبيل الموت، ولا يستند إلى وَقْت التعليق؛ لأن العَدَم المعلَّق عليه حينئذٍ يتحقق، وقد يعرض قبيل الموت ما يمنع حصول ذلك الفِعْل، وتحقُّق اليأس، فيتبين وقوع الطلاق من وقْت حصول اليأس، وكذلك ما إذا علّق على عدم مشيئة تجيء أو غَبِيَ غباوة متَّصِلَةً بالموت، فإنما يحقق عدَم المشيئة من وقْت حدوث العلة المخِلَّة بالمشيئة المعتبرة، وإن مات، وشككنا في أنَّه هل وُجِدَ منْه الصفة المعلَّق عليها فوجهان:

أحدهما: أنه يقع الطلاق؛ لأن الطلاق معلَّق بعدم الدخول، وإذا شككنا في الدخول، فالأصْل العَدَم.

الثاني؛ لا يقع؛ لأنا إذا شككنا في الوصْف المعلَّق عليه، فلا يُرْفَع الطَّلاق بالشك، ويُسْتَصْحب أصل النكاح، والوجهان جاريان سواءٌ كانت الصيغة أنْتِ طالقٌ إن لم يدخل زَيْدٌ الدار أو كانت الصيغة "أنْتِ طالقٌ إلاَّ أن يدخُلَ زيْدٌ الدارَ" والوقوع في

<<  <  ج: ص:  >  >>