قَالَ الرَّافِعِيُّ: قد بان في أول الكتاب أنَّ غرَضَ البَاب الكلامُ فيما يقتضي فسْخَ الإجارة، أو انفساخَها، وإنما يثبت الفَسْخ، أو الانفساخُ؛ لخَللٍ يعْرضُ في المعْقُود علَيْه، والخلل إمَّا أن يوجِبَ نقصان المنْفعَة، أو فواتَهَا بالكلِّيَّة، وعلى التَّقْدِير الثاني، فالفواتُ، إما أن يكون حِسِّيّاً، أو شَرْعيّاً، فهذه ثلاثة أقسام:
أحدها: ما ينقصُ المنفعَةَ، ومهما ظَهَر بالمستأجر نقصانٌ تتفاوت به الأجرة، فهو عيب مثبت للفَسْخِ، وذلك كمَرضِ العَبْد والدابَّة، وانقطاعِ ماء البئْر وتغيُّره؛ بحيثُ يمنع الشُّرْب، وانكسارِ دعائِمِ الدَّار، واعْوِجَاجِها، وانهدام بعْضِ جُدْرانِها, لكن لو بادَرَ المكْرِي إلى الإصْلاَحَ، وكان قابلاً للإصْلاحَ في الحال، سقَطَ خيارُ المكْتَرِي كما مَرَّ، ولا فرْقَ بيْن أن يكون لاَحِقاً حاصلاً في يد المسْتَأْجِر؛ لأنَّ المنافع في الزمان المستَقْبَل غَيْرُ مقبوضَةٍ، وإنْ كانتِ الدَّارُ مقبوضةً، فيكونُ العَيْب قد نما بالإضافة إلَيْهَا، وقياسُ هذا ألاَّ يتسلَّط على التصرُّف في المنافع المستقبلة، إلا أنَّهُ سلّط عليه للحاجة، ثم العيْبُ، إن ظهر قبل مضي مدةٍ لها أجرة، فإن شاء، فسخ، ولا شيْء عليه، وإن شاء أجاز تجميع الأجْرَة، وإن ظهر في أثناء المدة، فالوجْهُ مَا ذَكره صَاحِبُ "التتمة" وهو أنَّه، إن أراد أن يفسخ في جميع المدَّة، فهو كما لو اشتَرى عبدَيْن فَتَلِفَ أحدُهُما، ثم وَجَد بالباقي (١) عيباً، وأراد الفَسْخَ فيهما، وإن أراد الفَسْخ فيما بَقِيَ منَ المُدَّة فهو كما لو أراد الفَسْخَ في العبد الباقي وحده، وحكْمُها مذكورٌ في البيع، والجمهور أطلقوا القَوْل بأنَّ له الفَسْخَ، ولم يتعرَّضوا لهذا التفْصِيل، ومهما امتنع الفَسْخ، فله أخذ الأَرْش، فيُنْظر إلى أجرةٌ مثْلِهِ سليماً، وإلَى أجرة مثله مَعِيباً، وُيعرْفَ قدْرُ التفاوُت بينهما، وهذا كلُّه إجارة العَيْنِ أمَّا إذا كانَتِ الإجارةُ في الذمَّة, فوجد بالدابَّة المسلَّمة عيباً، لم يكن له فسخُ العقْد لكن يردَّها ويؤمَرُ المُكْرِي بالإبْدال والله أعلم.