يشفع لأحدهما، وأن يؤدي المال عمن عليه؛ فإنه ينفعهما جميعًا.
فرع: القاضي يعود المَرْضَى ويشهد الجنائز، ويزور القادمين؛ لما فيها من البر والثواب، وإذا لم يمكنه الاستيعاب، أتى بما أمْكَنَه مِنْ كل نوع ويخصُّ به من عرفه، وقرب منه، وفرقوا بين هذه الأمور، وبَيْن إِجابة الوليمة حَيْثُ يترك الكُلَّ، إِذا لم يمكنْه الاستيعاب بما لا تسْكُن النفس إِليه، وهو أن أظهر الأغراض في إجابة الوليمة إكرام صاحبها، فالتخصيص إيثارٌ وميل وأظهر الأغراض في العبادة وما في معناها الثواب، فلا يترك المقدور منْها؛ كيلا يفوته الثواب، ولعدم إيضاح هذا الفرق ذهب القاضي أبو حامد فيما حكاه ابن المرزُبَان عنْه، سَمَاعًا أنه كالإِجابة إِلى الوليمة، إِما أن يستوعب أو يترك الكلَّ، ولم يفرق الأكثرون في العيادة وشهود الجنازة بين المتخاصمَيْن وبين سائر الناس، وذلك مناسب لقولهم: إن النظر فيها إِلى الثواب دون الأشخاص، وفي أمالي أبي الفَرَجِ أنه لا يعود الخصم إذا مرض، ولا يزوره إذا قدم لكن يشهد جنازته إذا مات، والله أعلم.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: المقصودُ الآن الكلامُ في البَحْث عن حال الشهود وتزكيتهم.
وأول ما نذكره أنه لا يجوز للقاضي أن يتخذ شهودًا معيَّنِين لا يقبل شهادة غَيْرِهِمْ؛ لما فيه من التضييق على الناس، فإنه قد يتحمَّل الشهادة غيرهم، فِإذا لم يقبل ضاع الحق، وقد قال تعالَى:{وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ}[الطلاق: ٢] فأطلق، وإذا شهد عنده شهودٌ، نَظَر؛ إن عرف فسْقَهم، رد شهادتهم، ولم يحتج إلى بحث، وإن عرف عدالتهم، قبلت شهادتهم ولا حاجة إلى التعديل، وإن طلبه الخصم، وفيه وجه ذكرناه في "فصل القضاء بالعلم" وعن أبي حنيفة فيما رواه صاحب "التهذيب": أنه إذا طلب الخصم، فلا بدّ من التعديل وإن لم يعرف القاضي حالَهُم في الفسق والعدالة، لم يجز له قبول شهادتهم، والحكم بها إلا بعد الاستزكاء والتعديل سواءٌ طعن الخصم أو سكت، وبهذا قال مالك وأحمد -رحمهما الله- وساعَدَنا أبو حنيفة فيما إذا كانت الشهادةُ على القِصاصِ والحدودِ، وقال في المال: إذا عَرَفَ إسلام الشهود، لم يحتج إِلى البَحْث عن عدالتهم، إلا أن يطعن فيهم الخَصْمُ واحتج الخَصْم بأنَّه حكم بشهادة، فيشترط فيه البحث عن شرط الشهادة، كما إذا طعن الخصم، وكما إذا كانتِ الشهادةُ على القصاص، وكما إذا جهل إسلام الشهود، فإنه يجب البحث عنه، عَلَى ما سنَذْكُرَ، ولا يجوز الاكتفاء بأن الظاهر من حال المُسْلِم العدالةُ، كما لا يجوز الاكتفاء بأن الظاهر من حال مَنْ في دار الإِسلام الإِسلامُ، وإن أقر الخصم بعدالة الشاهدين، ولكن قال: أخطأ في هذه الشهادة، ففيه وجهان: