للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الغَزَالِيُّ: وَلا يَنْبَغِي أَنْ يَحْضُرَ وَلاَئِمَ الخَصْمَينِ وَلاَ بَأْسَ بِوَليمَةِ غَيْرِهِمَا إِذَا لَمْ يَكُنْ هُوَ المَقْصُودَ بِالدَّعْوَةِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: القول في أن الإِجابة إلى الوليمةِ تجب أو تُسْتحبُّ مستوفى (١) في "باب الوليمة والنثر" وذلك في حق غير القاضي، فأما القاضي، فلا يحضر وليمة أحد الخصمين في حال تخاصمهما، ولا وليمتهما؛ لأن أحدهما قد يزيدُ في إكرامه، فيميل قلبه إليه، فأما وليمةُ غيرهما، فعَنْ بعض الأصحاب، فيما رواه صاحب "الإِفصاح" وغيره: أنه يجيء قولُ وجوب الإجابة في حق القاضي أيضًا، وفي "أمالي" أبي الفرج: أن بعضهم قال: لا يجوز الإِجابةَ أصلاً؛ لأنه أجير المسلمين ولا يدري متَى يتحاكم إليه الخصمان، وظاهر المذهب التوسُّط، وهو أنها لا تجب، ولا تحرم، ولكنها مستحبةٌ بشرط التعميم، فإن كثرت وقطعته عن الحكم ترك إجابة الكل، ولم يخصص بعض الناس، نعم، لو كان يخصِّص أناسًا قبل الولاية بإِجابة وليمته، فعن نصِّ الشافعيِّ -رضي الله عنه- فيما حكاه القاضي ابن كج أنه لا بأس بالاستمرار عليه، ويكره الإِجابة إلى دعوى اتخذت للقاضي خاصَّة وللأغنياء، ودعى فيهم، ولا تكره الإجابة إلى ما اتخذ للجيران، وهو منهم أو للعلماء، ودُعِيَ فيهم، واعْلَمْ أن إجابة الوليمةِ مِنَ الدَّعَوات مستحبةٌ، وظاهرة ما أطْلقه الأَئمَّة ثبوت الاستحباب في حقِّ القاضي أيضًا، وإن كان الاستحباب في الوليمة آكد، ومنْهُمْ من خصَّص الاستحباب بالوليمة، ويحكَى هذا عن ابن القاصِّ، ولا يضيف القاضِي أحَدَ الخصمَيْن دون الآخر؛ لأنه ينكسر قلبه، ويجوز أن يضيفهما معًا؛ لما روي عن علي -كرم الله وجهه- أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: لاَ يُضِيفُ أحَدُكُمْ أحد الخَصْمَيْنِ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ خَصْمُهُ مَعَهُ" (٢) وَعَن أبي الحُسَيْن أن أبا إسحاق قال: لا تُضِيفُهُمَا مَعًا أَيْضًا؛ لأَنَّه قد يتوهَّم كلُّ واحدٍ منهما أن المقصود بالدعوةِ صاحبُه، وأنه تبعٌ، فينكسر قلبه، ولكن هذا يُشْكِل بسائر وجوه التسوية، وللقاضي أن


(١) في ز: مشتق.
(٢) رواه البيهقي بإسناد ضعيف منقطع، وهو في مسند إسحاق بن راهويه قال أنا محمد بن الفضل عن إسماعيل بن مسلم عن الحسن قال: جاء رجل فنزل على عليّ فأضافه، فلما فرغ قال: إني أريد أن أخاصم، فقال: تحول، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهانا أن نضيف الخصم إلا ومعه خصمه، وأخرجه عبد الرزاق من هذا الوجه، ولكن رواه ابن خزيمة في صحيحه عن موسى بن سهل الرملي عن محمد بن عبد العزيز الرملي عن القاسم بن غصن عن داود بن أبي هند عن أبي حرب بن أبي الأسود عن أبيه، عن علي قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يضيف الخصم إلا وخصمه معه، ذكره البيهقي أنه قرأه في كتابه، وأخرجه الطبراني في الأوسط عن علي بن سعيد الرازي، عن موسى بن سهل الرملي به بلفظ: نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يضيف أحد الخصمين دون الآخر، وقال: تفرد به الواسطي، انتهى والقاسم بن غصن مضعف.

<<  <  ج: ص:  >  >>