قَالَ الرَّافِعِيُّ: قَالَ الله تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ}[المائدة: ٤]، وقال عز مِنْ قال:{قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ}[الأنعام: ١٤٥]، وقال سبحانه وتعالى:{وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ} الآياتُ، ومقصود الكتاب الكلامُ في المطاعم، ومعرفة أحكامها من المهمات؛ فإن الله تعالى أجرى العادةَ بالحاجَة إليها؛ على ما قال تعالى:{وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ}، وفي تناول الحرام الوعيدُ الشديدُ؛ على ما قال -صلى الله عليه وسلم-: "أيُّ لَحْمٍ نَبَتَ مِنْ حَرَامٍ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ"(١) للإنسانِ حالتان؛ حالةُ رفاهيةٍ واختيارٍ، وحالةُ شدَّةٍ وَاضطرارٍ، وبحسبهما أوْدَعَ مسائلَ الكتَابِ في فصْلَيْن:
أحدهِما: في حال الاختيار، وقال الأصحاب ما يمكن أكْلُه من الجماد والحيوان
(١) رواه الترمذي (٦١٤) من حديث كعب بن عجرة بلفظ: إنه لا يربو لحم نبت من سحت، إلا كانت النار أولى به، والحديث طويل عنده أوله: أعيذك بالله من أمراء يكونون بعدي، ورواه ابن حبان في صحيحه (١٥٦٩) من حديث جابر بلفظ: ياكعب بن عجرة إنه لا يدخل الجنة لحم بنت من سحت، الحديث، ورواه الحاكم من حديث جابر أيضاً، ومن حديث عبد الرحمن بن سمرة، وعن أبي بكر الصديق مرفوعاً، وعن عمر بن الخطاب موقوفاً، ورفعه الطبراني في الكبير وفي الصغير، وعن ابن عباس في الأوسط ولفظه: تليت هذه الآية عند النبي -صلى الله عليه وسلم- {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا} فقام سعد بن أبي وقاص فقال: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة، فقال: يا سعد طيب مطعمك، تكن مستجاب الدعوة، والذي نفس محمد بيده إن العبد ليقذف بلقمة الحرام في جوفه فلا يتقبل منه عمل أربعين يوماً، وأيما عبد نبت لحمه من السحت والربا، فالنار أولى به، وأعله ابن الجوزي، وذكره ابن أبي حاتم في العلل من حديث حذيفة، وصحح عن أبيه وقفه.