للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القَوْلُ فِي الدَّفْنِ

قال الغزالي: وَأَقَلَّهُ حُفْرَةٌ تَحْرُسُ المَيِّتَ عَنِ السِّبَاعِ وَتَكْتُمُ رَائِحَتَهُ، وأَكْمَلُهُ قَبْرٌ عَلَى قَامَةِ الرَّجُلِ، وَاللَّحْدُ أَوْلَى مِنَ الشَّقِّ، وَلْيَكُنِ اللَّحْدُ فِي جِهَةِ القِبْلَةِ، ثُمَّ تُوضَعُ الجَنَازَةُ عَلَى رَأسِ القَبْرِ بِحَيْثُ يَكُونُ رَأَسُ المَيِّتِ عِنْدَ مُؤَخِّرِ القَبْر فَيَسُلُّهُ الوَاقِفُ إِلى القَبْرِ مِنْ جِهَةِ رَأْسِهِ، وَلاَ يَضَعُ المَيِّتَ فِي قَبْرِهِ إِلاَّ الرَّجُلُ، فَإِنْ كانَتِ امْرَأَةً فَيَتَوَلَّى ذَلِكَ زَوْجُهَا وَمَحَارِمُهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَبِيدُهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَخَصِيَّانِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَأَرْحامٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَالأجَانِبُ لِأَنَّهُنَّ يَضْعَفْنَ عَنْ مُبَاشَرَةِ هَذَا الأَمْرِ، ثُمَّ إِنْ لَمْ يَسْتَقِلَّ وَاحِدٌ بِوَضْعِهِ فَلْيَكُنْ عَدَد الوَاضِعِينَ وَتْراً.

قال الرافعي: دفن الميت من فروض الكِفَايات كغسله والصلاة عليه والدفن في المقبرة أولى، لينال الميت دعاء المَارِّين والزَّائرين. "وَكَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَدْفِنُ أَصْحَابَهُ فِي المَقَابِرِ" (١) ويجوز الدَّفن في غير المَقَابِر؛ لأنهم "دَفَنُوا النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فِي حُجْرَةِ عَائِشَةَ -رَضِيَ الله عَنْهَا- (٢). فلو تَنَازع الوَرَثَة فقال بعضهم ندفنه في ملكه، وقال آخرون: بل في المقبرة المسبلة، دفن في المقبرة المسبلة؛ لأن ملكه قد إنتقل إلى الورثة وبعض الشركاء غير راض بدفنه فيه، فلو بادر بعضهم ودفنه فيه كان لِلْبَاقين نقله إلى المَقْبَرَةِ، والأولى أن لا يفعلوا لما فيه من الهتك، ولو أراد بعضهم دفنه في خالص ملكه لم يلزم الباقين قبوله ولو بادر إليه، قال ابن الصباغ: لم يذكره الأصحاب وعندي أنه لا ينقل فإنه هتك وليس في إبقائه إبطال حق الغير.

ولو توافقوا على دفن الميت في ملكه ثم باعوه لم يكن للمبتاع نقله، وله الخيار إن كان جاهلاً به، ثم لو اتفق نقله أو بَلِيَ كان الموضع للبائعين أو للمشتري؟ فيه وجهان سيأتي في البيع نظائرها. إذا عرفت ذلك ففي الفَصْل مسائل:

إحداها: لا يجوز الاقْتِصَارُ في الدَّفن على أدنى احْتِقَار، بل أقل ما في الباب حُفْرة تكتم رائحة الميت وتحرسه عن السِّبَاع لعسر نَبْش مثلها عليها غالباً، وهذان المعنيان كتمان الرائحة والحِرَاسة عن السِّباع ذكرهما إمام الحرمين في حدِّ واجب الدفن وتابعه المصنف فإن كانا مُتَلاَزمين فمتى وجدت إحدى الصِّفتين في الحُفْرة توجد


(١) قال الحافظ ابن حجر في التلخيص (٢/ ١٢٦) لم أجده هكذا، لكن الصحيح أنه أتى المقبرة فقال: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وفي هذا الباب عدة أحاديث.
(٢) أخرجه البخاري عن عائشة في حديث قبضه الله بين سحري ونحري، ودفن في بيتي وفي الباب عدة أحاديث. انظر المصادر السابقة.

<<  <  ج: ص:  >  >>