للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأُخْرَى، والغَرَض من ذكرهما بيان الفَائِدَة المَطْلُوبة بالدَّفن، وإن لم يكونا مُتَلاَزمين فبان أنه يجب رعايتهما، ولا يكتفي بأحدهما مقصوداً أيضاً.

وأما الأكمل فيستحب توسيع القَبْرِ وتعميقه، روي أنَّه -صلى الله عليه وسلم- قال: "احْفُرُوا وَوَسِّعُوا وَعَمِّقُوا" (١) والمنقول عن لفظ الشَّافِعِيّ -رضي الله عنه- أنه يعمق قدر بسْطَةٍ.

قال المحاملي وغيره: إنما أراد بسطَةً بعد القيام، على ما روي عن عمر -رضي الله عنه- أنه قال: "عَمِّقُوا إِلَى قَدْرِ قَامَةٍ وَبَسْطَةٍ" (٢) وقدره بثلاثة أذرع ونصف وهو قدر ما يقوم الرجل وَيَبْسُطُ يده مرفوعة غالباً، والاعتبار بالأربعة من الرجال، وفيما علق عن الشيخ أبي محمد: أن السنة من التَّعميق بقدر قامة وهو ثلاثة أذرع، وذكر في "النهاية" ما يوافقه، فنقل لفظ البَسْطة وفسَّرها بقامة رجل وبسطة فيشبه أن يكون وجهاً آخر، وهو الذي وافقه لفظ الكتاب، والمشهور في المَذْهب هو الأول.

وقوله في الكتاب: "وأقلّه وأكمله" الكناية فيهما يجوز أن ترجع إلى غير مذكور المعنى وأقل المدفون فيه ويجوز أن ترجع إلى المذكور وهو الدفن، وحينئذ يحتاج الكلام إلى إضمار، ومعناه: وأقل الدَّفن في حفرة والأول أولى؛ لأن واجب الدَّفن لا ينحصر في الدَّفْن في حفرة صفتها ما ذكر، بل يجب مع ذلك وضع الميِّت مستقبل القبلة على ما سيأتي. وأعلم قوله: "قدر قامة الرجل" بالميم؛ لأن المحكيّ عن مالك: أنه لا حد في تعميق القبر.

المسألة الثانية: اللَّحد والشَّق كل واحد منهما جائز، واللّحد أن يحفر حائط القبر مائلاً عن استوائه من الأسفل [قدر] (٣) ما يوضع الميت فيه، وليجعل ذلك من جهة القبلة. والشق: أن يحفر حفرة كالنهر أو يبنى جانباه باللَّبن أو غيره، ويُجْعل بينهما شقّ يوضع الميت فيه ويسقف وأيهما أولى إن كانت الأرض صلبة فاللحد، وإن كانت رخوة فالشق، وعند أبي حنيفة الشّق أولى بكل حال، هكذا روى جماعة من أصحابنا، وفي مختصر الكَرْخِي وغيره من كتب أصحابه أنه يُلْحَدُ، ولا يشق كمذهبنا.

ووجه تقديم اللّحد ما روي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- "أنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: اللَّحْدُ لَنَا وَالشَّقُّ لِغَيْرِنَا" (٤).


(١) أخرجه أبو داود (٣٢١٥)، والترمذي (١٧١٣)، وقال: حسن صحيح، والنسائي: (٣/ ٨٠ - ٨١)، وابن ماجة (١٥٦٠).
(٢) أخرجه ابن المنذر عنه. انظر خلاصة البدر (١/ ٢٨١).
(٣) في ط (قبل).
(٤) أخرجه أبو داود (٣٢٠٨)، والترمذي (١٠٤٥)، وقال: غريب من هذا الوجه، وأخرجه النسائي (٤/ ٨٠)، وابن ماجة (١٥٥٤)، والبيهقي (٣/ ٤٠٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>