ذكر في "التهذيب": أنه لو وقَع في ألسن الخاصِّ والعامِّ أنَّ فلاناً قَتَلَ فلاناً، فهو لوث عليه، ولا فرْق في القَسامة بيْن أن يَدَّعِيَ المُسْلِم على المُسْلِم، أو يكون أحدُهما كافرًا، وعن مالك: أنه لا يُقْسِم الكافرُ على المُسْلِم، قال الإِمام: وإذا عايَنَ القاضِي ما هو لَوْث، فله الاعتماد عليه، ولا يخرج على الخلاف في قضائه بعلْمه؛ لأنه يقضي بالأَيْمَان، وفي "التتمة": أن القتيل إذا وُجدَ قريبًا من قرية، وليس هناك عمارة أخرَى، ولا من يقيم في الصحراء، ثَبَت اللوث في حقِّهم، يعني إذا وجدت العداوةُ [وكنا] نحكم باللوث [إذا] وجد القتيل فيها، فكذلك إذا وجد قريبًا منها، قال: ولو وجد قتيلٌ بين قريتَيْنِ أو قبيلتين، ولم يُعْرَف بينه وبين واحدةٍ منها عداوةٌ؛ فلا يجْعَل قُرْبه من إحداهما لوثاً؛ لأن العادة قد جَرَتْ بأن يُبْعِدَ القاتلُ القتيلَ عن فنائه؛ ويثقله إلى بقْعة أخْرَى دفْعاً للتهمةِ عن نفْسِه، وما رُوِيَ في الخبر والأثَر على خلاف ما ذكَرْنا، فإن الشافعيَّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- لم يثبت إسناده.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: قد توجدُ الأمارةُ المشْعِرةُ بصدْق المُدَّعِي، لكنْ يعارضُها ما يُسْقِط أثرها، ويُبْطِل الظنَّ الحاصل بها عنْد تجريد النَّظَر [إليها]، فتكلم بعْدَ الكلامِ في الأماراتِ في الأمور التي يُسْقِطها، وعدَّها خمسة:
أوَّلُها: أن يتعذر إثباته عند القاضي، ولا يَخْفَى أن تسمية تَعَذُّر الإثباتِ مُسْقِطاً توسُّعٌ وتساهُلٌ، وأنه إذا لم يثبُتِ اللوْث، لم يُمَكَّن المُدَّعِي من القَسَامة، وإذا ظهر اللَّوْث في حقِّ جماعة، فللوليِّ أن يعين بعضَهم منْ واحدٍ أو أكثر، ويدَّعِي عليه؛ لأن اللَّوْث كذلك يظهر؛ وقليلاً ما يتفق اختصاصُه بالشَّخْص الواحد، لكن لو قال الوليُّ: القاتل أحدهم ولست أعرفه، لم يتمكن من القسامة، وله أن يُحَلِّفهم، فإن حلَفوا، إلا واحدًا منْهم، فنكلوه يُشْعِرَ بأنه القاتل، ويكون لَوْثاً في حقِّه، فإذا طلب المدِّعِي أن يُقْسِم عليه، مُكِّن منه، ولو نكل الجميعُ ثم عيَّن المُدَّعِي أحدَهم وقال: قد بَانَ لي أنه القاتِل، وطلب أن يُقْسِم عليه؟ فوجهان:
أحدهما: أنه لا يُمكَّن منه؛ لأنه قد اعترف بالجَهْل أولاً.
وأشبههما: التمكينُ؛ لأن اللوث حاصلٌ في حقِّهم جميعًا، وقد يَظْهَر له بعْد