عَبْدًا كافرًا، والْتَحَقَ بدار الحَرْبِ لا يجوز اسْتِرقَاقُهُ، وللأصحابِ فيهما طريقان.
أشهرهما: أَنَّ فيهما قَوْلَيْنِ، النَّقْل والتخريج.
أحدهما: أَنَّهُ لا تُسْتَرَقُّ زَوْجَتُهُ ولا عَتِيقُهُ، لئلا يَبْطُلَ حَقُّهُ من النكاح والوَلاَءِ، كما لا يُغْنَمْ مَالُهُ. وأيضاً فَعَقْدُ الأَمَانِ يُحْرِزُ الزَّوجَةَ، فالإِسلامُ أَوْلَى.
والثاني: يَسْتَوِيَانِ؛ لأنهما مَالِكَانِ لأنفسهما، وحَقُّهُمَا في أنفسهما آكَدُ من حَقِّ الزَّوْجِ والسَّيِّدِ، ولا عِصْمَةَ لهما، فلا يَجُوزُ المَنْعُ من اسْتِرْقَاقِهِمَا.
والثاني: تَقْرِيرُ النَّصَّينِ، والفَرْقُ أَنَّ الوَلاَءَ بعدما ثَبَتَ لا يمكن رَفْعُهُ وإِبْطَالُهُ، وإن تَرَاضَيَا به، والنِّكَاحُ يِنْفَسِخُ، ويرتفع بأسْبَابٍ، وحُدُوثُ الرِّقِّ من تلك الأسْبَابِ على ما سنذكر. والظَّاهِرُ ما نَصَّ عليه في الصَّورَتَيْنِ، وإن قُدِّرَ الخِلافُ، هكذا قاله الجمهور.
واختار القاضي ابْنُ كَجٍّ في الزَّوْجَةِ امْتِنَاعَ الاسْتِرْقَاقِ أيضاً، ويجري الخِلاَفُ فيما إذا نَكَحَ المُسْلِمُ حَرْبِيّةً في دَارِ الحَرْبِ، هل يجوز اسْتِرْقَاقُهَا؟
" التفريع":
إن قلنا: إنَّ إسلاَمَ الزوج لا يُحْرِزُ زَوْجَتَهُ الحَرْبِيَّةَ، فلو كانت حَامِلاً عند إِسْلاَمِهِ، ففى جواز اسْتِرْقَاقِهَا وجهان:
أحدهما: المَنْعُ؛ لأن الحَمْلَ مَحْكُومٌ له بِالإِسْلاَمِ، كما قَدَّمْنَا فلا يجوز تَمَلُّكُ الحَامِلِ دونه، كما لا يجوز تَمَلُّكُهَا بالشِّرَاءِ، دون الحمل.
وأصحهما: وهو المَذْكُورُ في الكتاب جَوَازُ استرقاقها؛ لأنَّها كَافِرَة حَرْبِيَّةٌ، فَأشْبَهَتْ غيرها وبهذا قال أبو حَنِيْفَةَ، وأَرَقَّ الحَمْلَ أيضاً؛ لما ذكرنا أَنَّهُ لا يجعله تَبَعاً لأبيه في الإِسْلاَم، وحُكِيَ في "الوسيط" أنَّ الحَمْلَ عند أبي حَنِيْفَةَ يمنع الاسْتِرْقَاقَ، والثابت الأَوَّلُ.
وإذا اسْتُرِقَّتِ الزَّوْجَةُ، نُظِرَ إن كان قبل الدُّخْولِ انْقَطَعَ النِّكَاحُ في الحَالِ؛ لأنَّهُ زال مِلْكَهَا عن نَفْسِهَا، فَيَزُولُ مِلكُ الزَّوْجِ عنها, ولأنها صَارَتْ أَمَةً كِتَابِيَّة، فلا يجوز إِمْسَاكُ الأَمَةِ الكِتَابِيَّةِ للنكاحِ. وعن رواية صاحب "التَّهْذِيب" وَجْهٌ أَنَّهَا وإن استرقت يَسْتَمِرُّ النِّكَاحُ، والمَشْهُورُ الأوَّلُ، وإن كان بَعْدَ الدُّخُولِ، فوجَهان:
أحدهما: أَنَّ الجَوَابَ كذلك؛ لأَنَّ حُدُوثَ الرِّقِّ يقطع النِّكَاحَ، فأشبه الرِّضَاعَ، وهذا أَوْلى لإِطْلاَقِ الأصحاب.
والثاني: أَنَّا نتَوَقَّفُ رَجَاءَ زَوَالِ الرِّقِّ، والكفر في مُدَّةِ العِدَّةِ، كما لو ارْتَدَّتْ بعد الدُّخُولِ، بخلاف الرضاع؛ لأنَّا لا نَتَوَقَّعُ زَوَالَ الحُرِّيَّةِ الحَاصِلَةِ به، فعلى هذا إن أعتقت