وأسلمت قبل انْقِضَاءِ العِدَّةِ اسْتَمَرَّ النِّكَاحُ، وكذا لو أُعْتِقَتْ ولم تُسْلِمْ؛ لأنَّ إِمْسَاكَ الحُرَّةِ الكتابية للنكاحِ جَائِزٌ، ولو أسلمت ولم تُعْتَقْ، فإن كان الزوج ممن يجوز له نِكَاحُ الإِمَاءِ، فله إِمْسَاكُهَا، وَإِلاَّ فوجهان (١):
أحدهما: أَنَّهُ ليس له إِمْساكُهَا؛ لأَنَّ من ليس له ابْتِدَاءُ النِّكَاح، ليس له الإمْسَاكُ بِعَقْدٍ مُتَقَدِّمٍ، كما لو أَسْلَمَ الكَافِرُ مع أَمَةٍ تَحْتَهُ، وهو مُوسِرٌ، ليس له إِمْسَاكُهَا.
والثاني: يجوز، ويُسَامَحُ في الاسْتِدَامَةِ، كما لو نكح فَاقِدُ الطَّوْلِ أَمَةً، ثُمَّ أَيْسَرَ، ويُخَالِفُ ما إذا أَسْلَمَ الكَافِرُ، لأنَّهُ لم يكن وقت العَقْدِ مُلْتَزِمًا بِحُكْم الإِسْلاَمِ، فاعتبر حَالُ اجتماعهما, ولو أَسْلَمَ الكَافِرُ بعدما استرقت زوجته الحَامِلُ، حُكَمَ بإسلام الحَمْلِ، ولم يَبْطل رِقُّهُ، كما في المُنْفَصِلِ. ولو أسلمت حَامِلٌ تحت حرْبِيٍّ، لم تسترق ولا وَلَدُهَا؛ لأن الحَمْلَ يَتْبَعُهَا في الإِسْلاَمِ.
ولو استأجر مُسْلِمٌ دَارًا من حَرْبِيٍّ في دار الحرب، ثُمَّ غَنِمَ المسلمون الدَّارَ، أو اسْتأْجَرَ حربيًّا [رقيقًا أو حرًا] فاسترق لم تَنْقَطِعِ الإِجَارةُ، بل يبقى للمستأجر اسْتحْقَاقُ المَنْفَعَةِ. ولأن مَنَافِعَ الأَمْوَالِ مَمْلُوكَةٌ مِلْكًا تَامًّا، مَضْمُونَةٌ باليد، كأعيان الأموال، وكما لا تُغْنَمُ العَيْنُ المَمْلُوكَةُ لِلْمُسْلِمِ لا تُغْنَمُ المَنَافِعُ المَمْلُوكَةُ له، بخلاف مَنْفَعَةِ البُضْعِ، فَإِنَّهَا تُسْتَبَاحُ، ولا تُمْلَكْ مِلْكًا تاماً, ولذلك لا تضمن باليدِ، ومن الأصحاب من جعل انْقِطَاعَ الإِجَارَة على الخلاف في انْقِطَاعِ النِّكَاحِ.
الثانية: يجوز سَبْيُ مَنكُوحَةِ الذِّمِّيِّ، إذا كانت حَرْبِيَّةً، وَينْقَطِعُ به نِكَاحُهُ، وهل يجوز سَبْيُ معتقه وإِرْقَاقُهُ؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا يجوز اسْتِرْقَاقُهُ، كاسْتِرْقَاقِ مُعْتقِ المسلم، وهذا كما أَنَّ مَالَ الذِّمِّيِّ مَصُونٌ عن الاغْتِنَامِ، كَمَالِ المسلم.
والثاني: يجوز؛ لأَنَّ الذِّمِّيِّ لو نَقَضَ العَهْدَ، والْتَحَقَ بدار الحرب، جَازَ اسْتِرْقَاقُهُ، فمعتقه أَوْلَى أَنْ يكون كذلك. قال القاضي الرُّويَانِيُّ: وهذا ظَاهِرُ المَذْهَب، والوَجْهُ أن يرتب، فيقال: إِنْ جَوَّزْنَا أن يسترق عَتِيقُ المُسْلِمِ، فعتيق الذِّمِّيِّ أَوْلَى، وَإِلاَّ ففي عَتِيقِ الذِّمِّيِّ وَجْهَان.
قال في "التهذيب": ولو أَعْتَقَ الذِّمِّيُّ عَبْدًا، ثُمَّ نَقَضَ السَّيِّدُ العَهْدَ، والْتَحَقَ بِدَارِ الحَرْب، فاسترق، فالمذهب أن وَلاَءَهُ على عَتِيقِهِ لا يبطل حقّه، حتَّى لو عُتِقَ كان وَلاَؤُهُ عليه بَاقِيًا، ولمعُتِقِهِ أَيضًا الوَلاَءُ على عَتِيقِهِ، ولو مَلَكَهُ عَتِيقُهُ فَاعْتَقَهُ، كان لِكُلِّ واحدٍ منهما الوَلاَءُ على الآخرَ.
(١) سكت الشيخ عن الترجيح وقال في الكفاية: إن الأصح عند الإِمام الجواز.