للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لنفسه شيئاً، وإنما يمتثل مأموراً لمنصب الإِمام؛ ولذلك قيل إنه آلة سياسة الإِمام، وأنه لا كفارة عليه، إذا جرى على يده قَتْلٌ بغير حقٍّ، ونقل أبو الفرجِ السرخسيُّ وجهَيْن في أنه هل يعتبر علْمُ الوليِّ والإمامِ والمباشرِ الجلاَّدِ، وقال: أصحُّهما: أنه يعتبر حتى إذا كان عالماً، وهما عالمان يكون الضمان عليهما أثلاثاً، وهذا كلامُنا في ضمان الجَنين.

وأما الأمُّ، فلا يجب ضمانُها؛ لأنها تَلِفَت في حدٍّ أو عقوبة، وجَبَتْ عليها.

قال في "التهذيب": هذا إذا ماتَت من ألم الضَّرْب، فإن ماتَتْ من ألم الولادة تجب ديتُها، وإن ماتَتْ منهما يجب نصف ديتها، وكأن المراد ما إذا ضربها في الحدِّ فَأَفْضَى إلى الإجهاض والولادة، فماتَتْ من الألمَيْنِ أو من أحدهما.

فَرْعٌ: إذا لم يعلم الإِمام بالحمْل، فأذن للوليِّ في القتل، ثم علم، فرجع عن الإذْن ولم يعلَمِ الوليُّ رجوعه، فقتل، فعَلَى مَنِ الضمان؟ يُبْقَى ذلك على ما إذا عفا الموكِّلُ عن القصاص، ولم يعلَمِ الوكيل، وسيأتي، ذَكَره القاضِي ابن كج.

واعلم أنه ليْس المرادُ فيما أطلقْنا من العلْم بالحَمْل، وعدم العلم حقيقةَ العِلْم، وإنما المراد الظنُّ المؤكَّد؛ لظهور مخايله، وعبر عنه الإِمام بأن قال: إن كان عالماً بالحَمْل عِلْمَ مثله.

قَالَ الْغَزَالِيُّ: الفَصْلُ الثَّالِث فِي كيْفيَّةِ المُمَاَثَلَةِ وَهِيَ مَرْعيَّةٌ (ح) فَمَنْ قَتَلَ بِالقَطْع أَوْ بِالإحْرَاقِ أَوْ بِالْتَّغْرِيقِ أَوْ بِالتَّخْنِيقِ قُتِلَ بِمِثْلِهِ إلاَّ إِذَا قَتَلَ باللِّوَاطِ وَإيجَارِ الخَمْرِ فَيُقْتَلُ بِالسَّيْفِ مِنْ غَيْرِ إِيْجَارِ، وَقِيلَ: يُوجَرُ خَلاًّ وَيُدَسُّ خَشَبَةً، وَمَهْمَا عَدَلَ المُسْتَحِقُّ إِلَى السَّيْفِ مِنْ غَيْرِهِ مُكِّنَ لأَنَّهُ أَسْهَلُ، فَلَوْ جَوَّعَ الجَانِيَ أَوْ أَلْقَاهُ فِي النَّارِ بِمِثْلِ تِلْكَ المُدَّةِ أَوْ ضَرَبَهُ بالسِّيَاطِ مِثْلَ تِلْكِ الضَّربَاتِ فَلَم يَمُتْ فَيَزِيدُ فِي الضَّرْبِ وَالتَّجْوِيعِ أَمْ يَعْدِلُ إِلَى السَّيْفِ فِيهِ وَجْهَانِ، وَلَو لَمْ يَمُتِ الجَانِي بِقَطْع مِثْلِ الأَطْرَافِ المَقْطُوعِ جِنَايَةً فَلاَ يُقْطَعُ طَرَفٌ آخَرُ، وَلَوْ لَمْ يَمُتْ بِمِثْلِ تِلْكَ الجَوَاِئفِ فَهَلْ يُوَالِى بِالجَوَاِئفِ فِيهِ تَرَدُّدٌ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: المماثلة مَرْعِيَّةٌ فِي استيفاء القِصاصِ؛ قال الله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: ١٩٤] وعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ حَرَّقَ حَرَّقْنَاهُ، وَمَنْ غَرَّقَ غَرَّقْنَاهُ" (١) ويروى: "أن يَهُودِياً رَضَخَ رَأَسَ جَارِيةٍ بِالْحِجَارَةِ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- بِرَضْخِ رَأْسِهِ بِالحِجَارَةِ" (٢) فإذا قتل إنساناً قتْلاً موجباً إما


(١) رواه البيهقي في المعرفة من حديث عمران بن نوفل بن يزيد بن البراء عن أبيه عن جده، وقال: في الإسناد بعض من يجهل وإنما قاله زياد في خطبته.
(٢) تقدم.

<<  <  ج: ص:  >  >>