للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الغَزَالِيُّ: (الجِنَايَةُ السَّابِعَةُ: الشُّرْبُ) وَالنَّظَرُ فِي المُوجِبِ وَالوَاجِبِ (أَمَّا المُوجِبُ) فَكُلُّ مُلْتَزِمٍ شَرِبَ ما أَسْكَرَ جِنْسُهُ مُخْتَارًا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَعُذْرٍ لَزِمَهُ الحَدُّ، فَلاَ حَدَّ عَلَى الحَرْبِيِّ وَالمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ، وَلاَ يَجِبُ عَلَى الذِّمِّيِّ أَيْضًا لِأَنَّهُ لاَ يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَهُ، وَيَجِبُ عَلَى الحَنَفِيِّ إِذَا شَرِبَ النَّبِيذَ، وَقِيلَ: لاَ يَجِبُ عَلَيْهِمَا، وَيَجِبُ لِشُرْبِ النَّبِيذِ المُسْكِرِ جِنْسُهُ وَإِنْ قَلَّ (ح)، وَلاَ يَجِبُ عَلَى المُكْرَهِ وَلاَ عَلَى مَنِ اضْطَرَّهُ العَطَشُ أَوْ إِسَاغَةُ لُقْمَةٍ إلَى شُرْبِ خَمْرٍ إِذْ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ، وَلاَ يَجُوزُ التَّدَاوِي بِالخَمْرِ وَلَكِنْ يَسْقُطُ الحَدُّ بِهِ، ويَجُوزُ التَّدَاوِي بِالأَعْيَانِ النَّجسَةِ وَالمَعْجُونِ الَّذِي فِيهِ خَمْرٌ، وَلاَ يَجِبُ عَلَى حَدِيثِ العَهْدِ إِذَا لَمْ يَعْلَمْ التَّحْرِيمَ، فَإِنْ عَلِمَ وَلَمْ يَعْلَمْ وُجُوبَ الحَدِّ حُدَّ، وَمَنْ شَرِبَهُ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ شَرَابٌ آخَرُ فَلاَ حَدَّ، وَلَو سَكِرَ فَهُوَ كَالمُغْمَى عَلَيْهِ، فَلاَ يَلْزمُهُ قَضَاءُ الصَّلاَة.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: شرب الخَمْرِ من كَبَائِرِ المُحَرَّمَاتِ. قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ ...} إلى آخر الآية [المائدة: ٩٠]. واحتج له أيضًا بقوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ} [الأعراف: ٣٣]. وقيل الإثْمُ: الخمر، واستشهد له بقول الشاعر: [الوافر]

شَرِبْتُ الإِثْمَ حَتَّى ضَلَّ عَقْلِي ... كَذَاكَ الإِثْمُ يَذْهَبُ بِالعُقُولِ

وهذا الاحتجاج مَذكُورٌ في تَعْلِيقِ الشيخ أبي حَامدٍ وغيره.

وعن ابن عُمَر -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ" (١) وعنه -أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لَعَنَ اللهُ الخَمْرَ وَشَارِبَهَا وَسَاقِيَهَا، [وَبَائِعَهَا] وَمُبْتَاعَهَا، وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا، وَحَامِلَهَا وَالمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ" (٢).

وعن جَابِرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ، [فَالفَرَقُ] مِنْهُ


(١) رواه مسلم بلفظ: كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام، ورواه من وجه آخر بهذا، وفي رواية له بالتقديم والتأخير وفي رواية لأحمد كذلك.
(٢) رواه أبو داود بهذا، وفيه عبد الرحمن بن عبد الله الغافقي، وصححه ابن السكن، ورواه ابن ماجة وزاد: وآكل ثمنها، وفي الباب عن أنس بن مالك به وزاد: وعاصرها، والمشتري لها، والمشتري له، رواه الترمذي وابن ماجة ورواته ثقات، وعن ابن عباس رواه أحمد وابن حبان والحاكم، وعن ابن مسعود ذكره ابن أبي حاتم في العلل، وعن أبي هريرة مرفوعًا: إن الله حرم الخمر، وثمنها، وحرم الميتة وثمنها، وحرم الخنزير وثمنه، ورواه أبو داود، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص.

<<  <  ج: ص:  >  >>