للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في سائر البلاد ويصح بيعها ولم يَزَلِ النَّاسُ يَتَبَايَعُوْنَهَا.

وقد رُوِيَ أن عُمَرَ -رضي الله عنه- اشترى حُجَرَةَ سَوْدَةَ بـ"مكة" حَرَسَها الله -تعالى- وأن حكيم بن حِزَامِ باع دَارَ النَّدْوَةِ من مُعَاوَيةَ.

قوله في الكتاب: "وقد فتحت عَنْوَةً" ظَاهِرُهُ يُخَالِفُ المَذْهَبَ فإن الفتح عَنْوةً قَوْلُ أبي حنيفة ومالك على ما بَيَّنَّاهُ، وإذا آخره فهول مَحْمُولٌ على ما قال الإِمام: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- دخل "مكة" مُسْتَعِدّاً لقتال لو قُوتِلَ، إلا أنه لم يُقَاتَلْ واستؤمن وأما الفتح عَنْوَةً [فعلى معنى] (١) أنه منع فقاتل، فهذا لم يَتَحَقَّقْ، وقد فسر العَنْوَةَ في "الوسيط" بذلك، وكان في غُنْيَةٍ من استعمال "عَنْوَةِ" وتفسيره والله أعلم.

" البَابُ الثَّالِثُ فِي تَرْكِ القَتْلِ وَالقِتَالِ بِالأَمَانِ"

قال الغَزَالِيُّ: وَالأَمَانُ مَصْلَحَةٌ فِي بَعْضِ الأَحْوَالِ* وَمَكِيدَةٌ مِنْ مَكَائِدِ القِتَالِ في المُبَارَزَةِ* وَلا يَصِحُّ مِنْ آحَادِ المُسْلِمِينَ إلاَّ فِي آحَادِ الكُفَّارِ أَوْ عَدَدٍ مَحْصُورِينَ* وَيَصِحُّ مِنْ كُلِّ مُؤْمِنٍ مُكَلَّفٍ حَتَّى العَبْدِ (ح) وَالمَرْأَةِ وَالشَّيْخِ الهَرِمِ وَالسَّفِيه* وَلاَ يَصِحُّ مِنْ مَجْنِونٍ (و) وَصَبيٍّ.

قال الرَّافِعِيُّ: الأَمَانُ وإن تَضَمَّنَ تَرْكَ القتل والقِتَالِ، لكنَّ المَصْلَحَة قد تَقْتَضِيهِ، إما في استمالة الكافر لِيَرْغَبَ في الإِسْلاَم، علَى ما قَالَ تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ ...} [التوبة: ٦] الآية أَو لِتَرْفِيهِ الجُنْدِ، أو لترتيب أمُورِهِمْ، أو لِلْحَاجَةِ إلى دخولِ الكُفَّارِ، وقَدْ يصيرُ مَكِيدةً من مَكَائِدِ القِتَالِ فِي المُبَادَرَةِ لاستنزال الأَبْطَالِ والأَقْرَانِ، وينقسمُ إلى عَامٍّ، وَهُوَ الذي يَتَعَلَّقُ بِأهْلِ إقليم، وناحيةٍ، وبَلدَةٍ وهذا يَخْتَصُّ بالإمام وَوُلاَتِهِ، وهو عَقْدُ المُهَادَنَةِ، وسيأتي من بعد إن شَاءَ اللهُ تعالى.

وإلى خَاصٍّ وَهُوَ الذي يَتَعَلَّقُ بالآحَادِ وهذا يَصِحُّ من الوُلاَةِ ومن الآحَاد، والباب مَعْقُودٌ لِهَذَا القِسْمِ الخاص.

والأَصْلُ فيه مَا رُوِيَ أَنَّ رَجُلاً أَجَارَ رَجُلاً من المُشْرِكِينَ، فقالَ عَمْرُو بنُ العَاصِ، وخِالِدُ بنُ الوَلِيدِ: لا يُجِيرُ ذلكَ، فقَالَ أبو عُبَيْدَةَ بْنُ الجَرَّاح -رضي الله عنه- ليس لكما ذلكَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يقول: "يجير علَى المُسْلِمَينَ بعضهم" فأجَارُوهُ (٢).


(١) في ز: على ما مضى.
(٢) أخرجه أحمد [٥/ ٢٥٠] من حديث أبي أمامة نحوه بهذه القصة، وقال ابن أبي شيبة نا عبد الرحيم بن سليمان عن حجاج عن الوليد بن أبي مالك عن عبد الرحمن بن سلمة: أن رجلاً أمن قوماً، وهو مع عمرو بن العاص وخالد بن الوليد وأبي عبيدة بن الجراح، فقال عمرو وخالد: لا =

<<  <  ج: ص:  >  >>