للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعنْ عَلِيٍّ -كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ- أنه قال: ما عِنْدِي إلا كِتَابُ اللهِ، وهذهِ الصَّحِيفَة عن رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ ذِمَّةَ المُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ، فمن حقَرَ مسلماً، فعليه لَعْنَةُ الله والملائكةِ، والناسِ أجمعين" (١).

والفصل يشتمل على مَسْألَتَيْنِ:

إحداهما؛ إنَّمَا يَجُوزُ لآحَادِ المسلمين (٢) أَمَانُ وَاحدٍ من الكُفَّار، أو جَمَاعَةٍ مَحْصُورِينَ؛ كعشرةِ ومائة، ولا يَجُوزُ لهم أَمَانُ إِقْلِيم، وَنَاحِيَةٍ، وبلدةٍ، بل النَّظَرُ فِيهِ مُتَعَلِّقٌ بصَاحِبِ الأمر وفي "البيانِ": أنَّهُ يَجُوزُ أنْ يُؤَمِّنَ وَاحِدٌ أَهْلَ قَلْعَةٍ, ولا شك أن القَرْيَةَ الصَّغِيرَةَ في معناها، وعن المَاسَرْجِسِيِّ: أنَّهُ لا يَجُوزُ أنْ يُؤَمِّنَ الوَاحِدُ لأهل قرية، وإنْ قَلَّ عَدَدُ من فيها، والأشبه الأول.

والضَّبْطُ في الباب إلاَّ يَنْسَدَّ بسببه بَابُ الجِهَادِ في تلك الجِهَةِ، والناحية، فإذا تأتى الجِهَادُ من غير التَّعَرُّض لِمَنْ آمن، نَفَذَ الأَمَانُ.

قال الإِمام: والسِّرُّ فيه أَنَّ الجِهَادَ شِعَارُ الدِّينِ والدَّعْوَةِ القهرية، وَهُوَ وَجْهٌ من أعظم المَكَاسِبِ للمسلمينَ، فَيَنْبَغِي ألا يظهر بأَمَانِ الآحَادِ [انحسام] (٣) ولا نقصان يحس.

قال: ولو أَمَّنَ مِائَةُ ألْفٍ من المسلمين مِائَة أَلْفٍ من الكفار، فكل واحدٍ لم يُؤَمِّنْ إلا وَاحِداً، لكن إذا ظَهَرَ انحسام أو نُقْصَانْ، فأمان الكُلِّ مَرْدُودٌ، ولك أنْ تَقُولَ: إن أمَّنُوهُمْ معاً، فالكل متوجّهٌ وإن أمَّنُوهُمْ على التَّعَاقُب، فينبغي أن يَجُوزَ أَمَانُ الأَوَّلِ، فالأول إلى ظهورِ الخَلَلِ، على أنَّ القَاضِي الروياني أَوْرَدَ أَنَّهُ إذا أمَّنَ واحداً جاز، وإن كَثُرُوا حتى زَادُوا على عَدَدِ أَهْلِ البَلْدَةِ الواحدةِ والقريَةِ الواحدةِ لم يَجُزْ.

ولا فَرْقَ بين أنْ يَكُونَ الكَافِرُ المؤمن في دَارِ الحرب، وبين أن يُؤمن في حَالِ القِتَالِ، أو في الهَزِيمَةِ أو عند الوُقُوعِ في مضيق، بلْ يَجُوز الأَمَانُ مَا دَامَ ممتنعًا.

فأمَّا بعد الأَسْرِ، فلا يَجُوزُ للأَحَادِ أَمَانُهُ، ولا المَنُّ عليه؛ لأنَّ بالأَسْرِ، ثبت


= نجير من أجار، فقال أبو عبيدة: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: يجير على المسلمين بعضهم، وحجاج هو ابن أرطاة وفيه ضعف وهو مدلس، والمعروف عن عمرو بن العاص خلاف ذلك، فقد روى الطيالسي في مسنده عنه فرفعه: يجير على المسلمين أدناهم، ورواه أحمد من حديث أبي هريرة رفعه: يجير على المسلمين أدناهم، ورواه أحمد من حديث أبي عبيدة: يجير على المسلمين بعضهم.
(١) أخرجه البخاري [١٨٧٠ - ٣١٧٢ و ٦٧٥٥ و ٧٣٠٠] من حديثه، وأتم من هذا السياق، ورواه باللفظ دون أوله: مسلم من حديث أبي هريرة، والبخاري عن أنس.
(٢) في ز: الناس.
(٣) سقط في ز.

<<  <  ج: ص:  >  >>