للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للمسلمين فيه حَقٌّ، ويخبر الإِمام، فلا يَجُوزُ إبْطَالُهُ والتَّفْوِيتُ عليه.

ولو قَالَ واحد من المسلمين: كُنْتُ أمَّنْتُهُ قَبْلَ هذا، لم يُقْبَلْ؛ لأنَّهُ لا يَمْلِكُ أَمَانَهُ في الحَال [بخلاف ما إذا أَقَرَّ بِأمَانِ مَنْ يَجُوزُ أَمَانُهُ في الحال] (١).

ولو قال جَمَاعَةٌ: كُنَّا أَمَّنَّاهُ، فكذلك لا يُقْبَلُ؛ لأنَّهم يَشْهَدُونَ على فِعْلِ أَنْفُسِهِمْ، ولو قَالَ وَاحِدٌ: كُنْتُ أَمَّنْتُهُ، وشَهِدَ بِهِ اثنان، قبلت شَهَادَتُهمَا.

المسألة الثَّانِيَة.

يَصِحُّ الأَمَانُ (٢) مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ مُكَلَّفِ، فيدخل فيه العبد وقال أبو حُنيفةَ: لا يَصِحُّ أَمَانُهُ، إلاَ أَنْ يَكُونَ مأذونًا لَهُ في القِتَالِ.

لنا: إِطْلاَقُ النُّصُوصِ، وأيضاً فقد قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "المُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤهُمْ يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ" (٣)، ولاَ فَرْقَ بين أن يَكُونَ سَيِّدُهُ مُسْلماً أو كَافِراً، ويدخل فيه المَرْأَةُ والخُنْثَى.


(١) سقط في ز.
(٢) لا يبيح الإِسلام للحربي أن يدخل بلادنا من غير أن يكون معه أمان محترم يجعلنا نطمئن إليه، والأمان لغة ضد الخوف وشرعًا عقد يعطيه الإِمام أو غيره من أفراد الأمة العقلاء البالغين للحربي فردًا أو جماعة يُبَاحُ لهم بمقتضاه الدخول في دار الإِسلام ومباشرة أعمالهم العلمية، أو التجارِيَّةِ على نحو ما يريدون. ويشترط فيه ألاّ يكون في أعمالهم مساس بسلامة الدولة الإِسلامية.
الأَمان جائز بالكتاب والسنة:
"أما الكتاب" فقوله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} الآية. ومعناه وان جَاءَكَ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِيْنِ لاَ عَهْدَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ وَطَلَبَ أَمَانَكَ وَجوَارَكَ فَأمِّنْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللهِ وَيتدبره ويعرف حقيقة الإِسلام، ثم أبلغه بعد ذلك مكاناً يأمن فيه على نفسه. ووجه الدلالة: أن الله أذن لنبيه عليه الصلاة والسلام في إعطاء الأمان لمن سأله واستجار به، والاستجارة في الآية عامّة فتتناول الاستجارة لنشر العلوم والتجارة وسماع كلام الله وغير ذلك من الأسباب التي تحمل على طلب الأمان. وأما قوله سبحانه وتعالى: {حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} فهو إشارة إلى الحكمة المقصودة من إعطاء الأمان، وذلك لأنه إذا دخل بلاد المسلمين وأقام بينهم سمع منهم كلام الله، وعرف مقاصد الدين، وكثيراً ما يكون ذلك سببًا لإسلامه.
وأما السنة: فما رواه البخاري عن علي -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ، فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا؛ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِيْنَ". والذمة معناها العهد والأمان والحرمة، وقوله: "يَسْعَى بِذمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ" أي يتحملها ويعقدها مع الكفار أقلهم وقوله "فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا" أي نقض عهده -ووجه الدلالة أن الحديث جعل حقّ الأمان لجميع المسلمين فمن أعطى منهم الأمان لكافر وجب على الجميع احترامه والوفاء به فيستدل به على مشروعية الأمان في كل الأحوال التي ليس فيها ضرر على المسلمين.
(٣) أخرجه أبو داود [٤٥٣٠] والنسائي [٨/ ١٩ - ٢٠] والحاكم [٢/ ١٤١] عن علي به، وأحمد وأبو داود وابن ماجة من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، مرفوعاً: يد المسلمين على من =

<<  <  ج: ص:  >  >>