للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الَّذي تعمَّد به، وأن سِحْره يَقْتُل غالباً يلزمه القصاص، ولو قال: قد يقتل، وقد لا يقتل، كان إقراراً بشبه العمْدِ، وإن قال: أخطأْتُ، إنما قَصَدْتُ غيره، فهو إقرارٌ بالخطأ.

ويجوز أنْ يُعْلَمَ قوله: "يَلْزَمُهُ القصاصُ" بالواو؛ لوجهٍ أجملنا ذكره هناك، وبالحاءِ؛ لما بيَّنا أن عند أبي حنيفة؛ لا يلزمه القصاصُ ولكن لو تكرَّر ذلك منه [قال]: يقتل حدّاً؛ لأنه من الساعِينَ في الأرض بالفَسَاد، ثم الذي نقله الأئمةُ؛ أن دية شِبْه العَمْد المغلَّظة، ودية الخطأ المخفَّفة، تجب في ماله، ولا تُطَالَبُ العاقِلَةُ بشيء؛ لأن إِقراره لا يلزمهم، نَعَم، لو صدَّقوه، وأخذنا بإقرارهم.

وقوله في الكتاب: "فالديةُ على العَاقِلة" يخالِفُ نقلَهُمْ المشهورَ؛ فيشبه أن يكون ذلك مِنْ سَبْق القلم، ولم يذكر في "الوسيط" الضَّرْبَ على العاقلة، لكن قال: "لو قَالَ: قَصَدْتُ غيره، فأصبْتُ اسْمَهُ، فهو خطَأٌ مَحْضٌ، وفي سائر جهاتِ القتلِ، إذا أقر الإِنسانُ بالقتل خطأً، ولا بينة، لا تطالَبُ العاقلةُ بشَيء، إن شاء الله تعالَى، فلا يمكنُ أنْ يكونَ الحُكْمُ في السِّحْرِ بخلاف ذاك، والله أعلم.

القِسْمُ الثَّالِثُ مِنَ الكِتَاب فِيمَنْ عَلَيْهِ الدِّيَةُ

قال الغَزَالِيُّ: وَهُوَ الجَانِي إِنْ كَانَ عَمْداً وَالعَاقِلَةُ إِنْ لَمْ يَكنْ عَمْداً، وَالنَّظَرُ في أَرْكَانٍ الرُّكنُ الأَوَّلُ فِي جِهَةِ العَقْلِ وَصِفَةِ العَاقِلَةِ أَمَّا الجِهَةُ فَثَلاَثةْ العُصُوبَةُ وَالْوَلاَءُ وَبَيْتُ المَالِ، أَمَّا المُخَالَفَةُ وَالمُوَالاةُ فَلاَ تُوجَبُ العَقْلَ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: عرفت أن القسم الثالث من كتاب الدِّيَاتِ فيمن تَجِبُ عليه الدِّيَةُ، وقد مَرَّ في بيان جهات التَّغْلِيظِ والتخفيف أن الدِّيَةَ في العَمْدِ على الجَانِي، وهو قِيَاسُ غَرَامَةِ المتلفات، وفي شبه العَمْدِ والخَطَأ على العَاقِلَةِ، ولا فَرْقَ في العَمْدِ بين أن يكون مُوجِباً للدِّيَةِ ابْتِدَاءً كقتل الأَب الابْنَ، أو يكون مُوجباً لِلْقَصَاصِ، فيعفى على الدية، وكما لا تَحْمِلُ العَاقِلَةُ دِيَةَ النَّفْسِ لا تحمل أيضاً دِيَةُ الأطرَافِ والجِرَاحَاتِ إذا وَقَعَتْ عَمداً.

وعن مَالكٍ: أن ما لا يُوجِبُ القِصَاصَ كَالهَاشِمَةِ والمُنَقِّلَةِ، فَأرْشُهُ على العاقلة، وبَدَلُ العَمْدِ يجب حَالاً على قياسِ إبْدَالِ الغَرَامَاتِ. وعن أبي حنيفة أنَّه يجب مُؤَجَّلاً في ثلاث سِنِينَ.

والأصل في وجوب دِيَةِ شِبْهِ العَمْدِ والخَطَأ على العاقلة -ما رُوِيَ أن امْرَأَتَيْنِ مِن "هُذَيْلِ" اقتتلتا، فَرَمَتْ إحَداهما الأُخْرَى بحَجَرٍ، ويروى: "بعمود فسْطَاطٍ" فقتلتها، فَأسْقَطَتْ جَنِيناً، فقضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالدِّيَةِ على عَاقِلَةِ القاتلة، وفي الجنين بِغُرَّةِ عَبْدٍ أو أَمَةٍ.

وهذه صورة شِبْهِ العَمْدِ، وإذا جرى التَّحَمُّلُ في بَدَلِ شِبْهِ العمد. ففي بدل الخَطَأ

<<  <  ج: ص:  >  >>