للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أولى، قال العلماء (١): وتَغْرِيمُ غير الجَانِي خارج عن الأَقْيسَةِ الظاهرة، إلا أن القَبَائِلَ في الجَاهليَّة كانوا يَقُومُون بنُصْرَةِ من جَنَى منهم، ويمنعون أَوْلِيَاءَ القتيل من أن يُدْرِكُوا بثَأْرِهِمْ، ويأخذوا من الجَاني حَقَّهُمْ، فجعل الشرِع بَدَل تلك النُّصْرَة بَذْلَ المال، وربما شَبَّهَ إعَانَةَ الأَقَارَب بتحمل الدِّيَة عنهم، بإعانة الأجَانِبِ الذين غرموا لإصْلاَح ذَاتِ البَيْنِ بصرف سَهْمٍ من الزَّكَاةِ إليهم، وخصص الضَّرْب على العَاقِلَة بالخطَإِ، وشِبْهِ العَمْدِ، لأن ذلك مما يكثر سيما في حَقِّ الذين يَتَعَاطَوْنَ الأَسْلِحَةَ، ولا يتأتى الاحْتِرَازُ عنه، فحسن (٢) إعَانَةُ القاتل؛ لئلا يَفْتَقِرَ بالسبب الذي هو معذور فيه، وإنما أُجِّلَتِ الدِّيَةُ على العاقلة نظَراً لهم؛ ليتحملوا ما تَحَمَّلُوا في مُدَّة الأَجَلِ، ولا يشق عليهم أدَاؤُهُ (٣).

ويحتاج في الضَّرْبِ على العاقلة إلى مَعْرِفَةِ المَضْرُوبِ عليهم، وإلى مَعْرِفَةِ كيفية الضَّرْبِ، فَلاَ بُدَّ من النَّظَرِ من هذين الرُّكْنَينِ، ولفظ الكتاب في النسخ [القديمة] (٤): "والنظر في أَرْكَان"، وكذلك هو في "الوسيط"، وليس فيهما إلا بِنَاءُ الكلام على الرُّكْنَيْنِ المذكورين، فليتبدَّلْ (٥) لفظ "الأركان" بـ"الركنين".

أما الركن الأَوَّلُ: ففيه فَصْلاَنِ: فصل في جهات التَّحَمُّلِ. وفصل في صفات المتَحَمَّلِينَ. أما الجهات فهي ثلاث القَرَابَةُ، والوَلاَءُ، وبَيْتُ المال، على ما نفصلها، وليست المُخَالَفَةُ والمُوَالاَةُ من جهة التَّحَمُّلِ، فلا يتحمل الحَلِيفُ الدِّيَةِ، ولا العديد (٦) الذي لا عَشِيرَةَ له، فيدخل نَفْسَهُ في القبيلة ليُعَدَّ منهم؛ لأن الأَصْلَ عَدْمُ التحمل، فَيُقْتَصَرُ على ما وَرَدَ فيه النَّصُّ.

وعند أبي حنيفة يَتَحَمَّلُ الحَلِيفُ، وساعدنا في العديد (٧).

ولا يتحمل أهْلُ الديوان بَعْضُهُمْ من بعض، والمُرَادُ الذين رَبَّتْهُمُ الإِمام لِلْجِهَادِ، وأَدَرَّ لهم أَرْزَاقاً وجعلهم تحت رَايَةِ أمير يَصْدِرُونَ عن رَأْيِهِ.

وعند أبي حنيفة: يَتَحَمَّلُ بعضهم عن بعض، وإن لم يكن بينهم قَرَابَةٌ، ويتقدمون على الأقَارِبِ اتِّبَاعاً لما وَرَدَ من قَضَاءِ عمر -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-.

واحتج الأَصْحَابُ بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قضى بالدِّيَةِ على العَاقِلَةِ (٨)، ولم يكن في عهدهِ


(١) في ز: العلماء.
(٢) في ز: فحبس.
(٣) في ز: أداؤه.
(٤) سقط في ز.
(٥) في ز: فليبدل.
(٦) في أ: الغريب.
(٧) في أ: الغريب.
(٨) أما قضاء عمر: فرواه الشَّافعي، وروي من حديث جابر: أول من دون الدواوين، وعرف العرفاء، عمر، وروى الحاكم من حديث ابن إسحاق حدثني عمر بن عثمان بن الأخنس بن شريق، قال: =

<<  <  ج: ص:  >  >>