الخلاف فيما إذا شَهِدُوا على إنْسانٍ بما يوجب القتْلَ، ثم رجَعُوا، وقالوا: تَعمَّدْنا، ولم نَعْلَم أنه يُقْتَل بقولنا، وأقرَبُ منه أخْذُه من الخلاف في الصورة السابقة، ويجوز أن يُعْلَم قوله في الكتاب:"فقولان" في مسألة المرتد بالواو، وكذا قوله:"فقولان" فيما لو ظن أنه قاتل أبيه؛ لما بيَّنَّا من اختلاف الطرق، وكذا قوله:"وجب القود" في مسألة المريض للوجه الآخر، وقد أعاد المسْألةَ في "باب الرجوع عن الشهادة" من "كتاب الشهادات" وذكر فيها الخلاف هناك واقتصر هاهنا على إيراد الصحيح.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: يُشْتَرَط لوجوب القصاص كَوْنُ القتيل مَحْقُونَ الدَّم مَعْصُوماً، إما بالإِسلام أو بعَقْد الحرية أو بالعَهْد والأمان (١)، فالحربيُّ مهدر؛ لأنه لا إيمانَ له، ولا أمان، وكذلكَ المرتدُّ مُهْدَرٌ، إنْ قَتَله مسلمٌ، وإن قتله ذمي أو مرتد، ففيه خلافٌ سيعود عن قريب وهناك نشرحه -إن شاء الله تعالى- فإن قيل بوجوب القصاص عليهما، فإما أن يقال: هذا مستثنًى عن قولنا: إن شرْطَ وجوب القصاص عصمةُ المقتول بأحد الوجوه الثلاث، وإما أن يقال:[إن] المرتد: معصومٌ عن الذميِّ والمرتدِّ بِمَا لَهُ من عُلْقة الإِسلام، على ما سيأتي -إن شاء الله تعالى- ومَنْ عليه القِصاصُ، لو قتله غَيْرُ المستَحِقِّ يلزمه القصاص؛ لأنه ليس بمباح الدم، وإنما ثبت عليه حقٌّ قد يُتْرك، وقد يُسْتَوْفَى، والزَّاني المحصَنُ لو قتله ذميٌّ يلزمه القصاص؛ لأنه لا تسلُّط له على المسلم، ولا حق له في الواجب عليه، ولو قتله مسلمٌ، فوجهان:
أحدهما: يجب القصاص؛ لأن الرجْم إلى الإِمام، وأيدِي الآحادِ مصروفةٌ عنه، فأشبه ما إذا قَتَلَ مَنْ عليه قصاصٌ غَيْرُ مُستحِقِّه.
(١) اقتصر في المحرر والمنهاج على الإِسلام والأمان ورأى دخول الجزية في الأمان، وقد اعترض في المطلب على الحصر في الثلاثة فقال: وقد بقي من أسباب العصمة ضرب الرق على كتابي بلا خلاف وعلى وثني ونحوه على المذهب وكذا الترهب على قول ولا يحتمل دخول الأول في لفظ الأمان نعم يدخل فيه زوجة المسلم بل يستحيل لأنه بالضرب صار مالاً مستحقاً للمسلمين ومال المسلمين في أمان ومثله نساء أهل الحرب وصبيانهم إذا وقعوا في الأسر.