وجْه الوجوب: أنه قتل عمداً شخصاً مضموناً بالقصاص، ووجه المَنْع شبهةُ ظَنِّه المعتضد باستصحاب مَا عَهِدَ.
والثاني: القطْعُ بالوجوب في المرتدِّ، وفرقٍ بينه وبين الصورتين الأخْرَيَيْنِ بأن المرتدَّ يُحْبَس في دار الإِسلام، ولا يُخْلَّى فقاتله وهو مخلَّى مقصِّر، بخلاف الذميِّ والعبْد، وفي كلام بعضهم ما يُشِير إلى طريقة قاطعةٍ بوجوب القِصَاصِ في قتلهما؛ لأنه ظنُّ لا يُنْتِج القتْلَ، ولا يقتضي إلا هدْرًا، والظاهر في الصُّوَر وجوبُ القصاص، وإن أثبت الخلاف، وقد يُوجُّه بأنه ظنٌّ لا يقتضي الإباحة، أما في العبد والذميِّ، فظاهر، وأما في المرتدِّ، فلأن قتله إلى الإِمام لا إلى آحاد الناس، فأشبه ما إذا زنى عالماً بالتحريم، جاهلاً بوجوب الحدِّ، حيث يلزمه الحَدُّ، وإن عهده حربيّاً، فظن أنه لم يُسْلِم، فمنهم مَنْ جعله كالمرتدِّ، ومنهم مَنْ قطع بأنه لا قصاص، وفَرَّقَ بأن المرتد لا يُخلَّى، والحَرْبِيُّ قد يُخَلَّى بالمهادنة وفُرِّق بينه وبين الذمِّيِّ والعبْد بأن الظن هناك لا يقتضي الحل والإهدار، وهاهنا بخلافه، ولو ظنه قاتل أبيه، فقتله، فبان خلافه، فقد حكى صاحب الكتاب وغيره فيه قولين:
أحدهما: أنه لا يجب القصاص؛ لأنه ظنَّ إباحةَ القَتْل له.
وأظهرهما: الوجوب؛ لأنه كان من حقِّه التثبت، ولم يعْهَدْه قاتلاً حتى يستصْحِبه والمفهوم مما أورده إذا ظَنَّه مرتداً أو حربيّاً من غير أن يعْهَدَه كذلك، ولم يكن كما ظنَّه القطْعُ بوجوب القصاص، والوجه التسوية بينهما، وبَيْنَ ما إذا ظنه قاتِلَ أبيه، إمَّا في القطع أو في إثبات القولَيْن، وقد يُرجَّح القطع بأن من أثبت القولين سلَّم القطْعَ بالوجوب فيما إذا قال: تَبَيَّنْتُ أن أبي كان حَيّاً حين قتلته مع أن أصْل الظنِّ والشبهة قائمٌ، وحيث قلنا: إنه لا قِصَاص في هذه الصور، فلو قال الوليُّ، عرفت إسلامه وحريته، وقال القاتل: ظننته كافراً أو رقيقاً، فالقول قوله؛ لأنه أعرف بحاله، ونقل صاحب الكتاب في "الوسيط" طريقين في موضعِ القولَيْن، فيما إذا ظنه قاتِلَ أبيه.
أحدهما: أن موضع القولين ما إذا تنازعا أما إذا صدَّقه وليُّ الدم، فلا قصاصَ بلا خلاف.
والثاني: طرد القولَيْن؛ لأنه ظنٌّ مِنْ غير مُسْتَندٍ شرعيٍّ.
الثالث: إذا ضرب المريض ضرباً يَقْتل المريض دون الصحيح، فمات منه، نُظِرَ؛ إنْ علم أنه مريض، فلا خلافَ في وجُوبِ القصاص، وقد سبق ذكره في الكتاب استشهاداً في مسألة "التجويع"، وإن كان جاهلاً بمرضه، فالصحيح وجوب القصاص أيضاً؛ لوجود القتل بصفة التعدَّي، فإنَّ ظنَّ الصحة لا يُبِيحُ الضرب، وفيه وجه: أنه لا يجب؛ لأن ما أتى به ليس بمهلك غيره، فلم يتحقَّق قصْدُ الإهلاك، وذكر أن هذا الوجه مأخوذٌ من