المعلوم أن الخلع قبل الدخول منتظرٌ، وإذا كان كذلك فإذا صحَّحنا الخُلْع كان العوض أحد النصفين، والنصّفُ الآخر يسْقُطُ لا على سبيل العوضية، ولو أنه اختلعها بالبراءة عن الصَّداق، وضَمِنَ له الدرك، فالَّذي أطلقه أكثر الأئمة من العراقيين وغيرهم أنَّه لا يبرأ عن الصَّدَاق، ولكن يقع الطلاق بائناً لأنَّه التزم المال في نَفْسه فَضَاهَى الخلع بالمغصوب، وعلى هذا فالواجب عليْه مهْرُ المِثْل أو بدل الصَّدَاق فيه القولان المعروفان، وهكذا الحُكْم فيما إذا قال الأبُ أو الأجنبيُّ: طلِّقْها على عبْدها هذا وعَلَيَّ ضمانه ففي قول: يلْزَمُه مهْر المثل، وفي قول: قيمة العَبْد، والذي قدَّمْناه أنه لا يلزمه شيءْ هو فيما إذا لم يتلفظ بالضمان والالتزام، وحكى الإِمام وَجهاً آخَرَ أن هذا الضمان لا أثر له، ويقع الطلاقُ رجعيّاً، كما لو قال: طلِّقْها وأنت بريْءٌ عن الصداق، ووجهاً فارقاً بيْن أن يقول: طلِّقْها وأنا ضامنٌ براءَتَك عن الصداق، وبيْن أن يصرح بالمقصُود، فيقول: وأنا ضامنٌ للصداق، إن طُولِبْتَ به أديت عنْكَ، والفَرق [أن ضمان] عين المرأة لا معنى له، فيلغو، ويقع الطلاق رجعيّاً؛ وفي الصورة الأخيرة هو ضامن للمال إلاَّ أنَّه التزام فاسدٌ، فوقع (١) والطلاق بائناً، وهذا ما اخْتَاره الإِمام، وعلَيْه جَرَى صاحب الكتاب، فقال؛ ولو قال:"اخْتَلِعْها، وأنا ضامِنٌ براءتك عن الصداق" إلى آخر الباب، ويجوز أن يُعَلَّمَ قَوْلُه:"أَنَّ الطَّلاَقَ رَجْعِيٌّ" بالواو [قوله: أن الطَّلاَق رَجْعِيّ] وكذا قوله: "وعَلَيْهِ مَهْرُ المِثْلِ" إشارة إلى القول الآخر أن الرجوع إلى المثْلِ، والقيمة، ولَفْظُ الضمان في هذه المسائل كلفظ الضمان في قول القائل: ألْقِ متاعَكَ في البَحْر، وعليَّ ضمانَه، والمراد منه الالتزام دون الضمان المشْهُور في الفقْه، ولو التمس الطَّلاَق على أنَّه بريء، وضمن الدرك، فقال الزوج في الجواب إن برئْتُ من صداقها، فهي طَالِقٌ لم تُطَلَّق؛ لأن الصفة، المعلَّق عليهما لم تتحقق والله أعلم.
قال الرَّافِعِي: إذا اختلف الزوجان في أصْل الخُلْع، فقالت الزوجة: خالَعْتَنِي على كَذَا، وأنكر الزوج، فهو المُصَدَّق بيمينه؛ لأن الأصل بقاء النِّكَاح، ولو كانَتْ له زوجتان تُسَمَّيَان باسمٍ واحدٍ، فقال: خالَعْتُ فلانةً بكذا، فَقَبِلَتْ إحداهما، ثم اختلفا فقال