للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَالَ الرَّافِعِيُّ: إن حَكَمْنَا بانْصِرَافِ الخُصُومَةِ عن المُدَّعَى عليه، إما بإقْرَارِهِ لحَاضِرٍ، أو بإقراره لِغَائِبٍ، أو مَجْهُول على أحد الوجهين، فهل للمدعي تَحْلِيفُهُ؟

وفيه قولان مبنيان (١) على أنه لو أَقَرَّ له بعد ما أَقَرَّ لغيره، هل يُغَرَّمُ القِيمَةَ؟ وفيه خلاف مَشْرُوحٌ في موضعه. إن قلنا: نعم، يحلفه؛ فلعله يُقِرُّ، فَيُغَرِّمُهُ القِيمَةَ.

وإن قلنا: لا، فإن قلنا: النُّكُول، ورَدُّ اليمين، كالإِقْرَار، فلا يُحَلِّفُهُ؛ لأنه وإن أقر، أو نَكَلَ، وحلف المدعي -لم يَسْتَفِدْ شيئاً. وإن قلنا: كالبينة، فله التَّحْلِيفُ؛ لأنه قد يَنْكُلُ، فيحلف المدعي، وإذا حلف، أخذ القِيمَةَ، وكأن العَيْنَ تَالِفَةٌ.

وفيما علق عن الإِمام وجه: أنه يسترد العين من (٢) المقر له، وَفَاءً بِتَنْزِيلِهِ مَنْزِلَةَ البينة. وإذا قلنا بوجوب القِيمَةِ، وأخذها بِإقْرَارِ المُدَّعَى عَلَيْهِ ثانياً، أو بِيَمِين المُدَّعِي بعد نُكُولِهِ، ثم سُلِّمَتْ له العَيْنُ بالبَيِّنَةِ، أو بيمينه بعد نُكُولِ المُقِرِّ له، فعليه ردُّ القيمة؛ لأنه إنما أخذ القِيمَةَ، لِلْحَيْلُولَةِ وقد زَالَتْ.

[فروع]

ادَّعى أن هذه الدَّارَ وَقْفٌ عَلَيَّ، وقال مَنْ في يَدِهِ: هي مِلْكٌ لفلان، وصَدَّقَهُ فلان، وانتقلت الخُصُومَةُ إليه. قال في "التهذيب" (٣): ليس له طَلَبُ القِيمَةِ من المُقِرِّ؛ لأنه يَدَّعِي الوَقْفَ، ولا يُعْتَاضُ عن الوَقْفِ، وكان لا يبعد طَلَبُ القيمة؛ لأن الوَقْفَ مَضْمُونٌ عند الإِتْلاَفِ، والحَيْلُولَةُ في الحال كالإِتْلاَفِ.

ولو رجع الغَائِبُ، وكذب المُدَّعَى عليه في إِقْرَارِهِ، فالحكم كما ذكرنا، فيما إذا أَضَافَ إلى حَاضِرٍ وكذبه. ولو أقام المُقِرُّ له الحاضر، أو الغائب بعد رجوعه، البَيِّنَةَ على المِلْكِ، لم يكن للمدعي تَحْلِيفُ المقر لِيُغَرِّمَهُ. فإن المِلْكَ اسْتَقَرَّ بالبينة، وخرج بالإقرار (٤) عن أن يكون لِلْحَيْلُولَةِ.

قَالَ الغَزَالِيُّ: الرَّابِعَةُ إِذَا خَرَجَ المَبِبعُ مُسْتَحَقّاً فَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَى البَائِعِ بِالثَّمَنِ، فَإِنْ صَرَّحَ فِي نِزَاعِ المُدَّعِي بِأَنَّهُ كَانَ مِلْكَ البَائِعِ فَفِي الرُّجُوعِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا أنَّهُ يَرْجِعُ، وَلَوْ أَخَذَ جَارِيَةً بِحُجَّةٍ فَأَحْبَلَهَا ثُمَّ كَذَّبَ نَفْسَهُ فَالوَلَدُ حُرٌّ والجَارِيَةُ مُسْتَوْلَدَةٌ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا للمُقِرِّ


(١) في أ: بناء.
(٢) في ز: في.
(٣) هذا الذي نقله عن البغوي قال القاضي الحسين لا خلاف فيه لكنه صور المسألة بما إذا قال المدعي وهي وقف علي ثم قال المدعى عليه هي وقف علي فقال: لا خلاف أنه ليس للمدعي طلب تحليفه لأجل التغريم لأنه إنما يحلف على ما يدعيه أنه فوت عليه وهاهنا قيمة الدار لو أخذها لا تقوم مقام الوقفية قال: لكن له أن يجيء كل شهر ويدعي عليه أجرة ذلك.
(٤) في ز: الإقرار.

<<  <  ج: ص:  >  >>