للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن رجع الغائب، وأعاد البَيِّنَةَ، قُدَّمَتْ بَيِّنَتُهُ. وإذا سمعناها لِعُلْقَةِ الرِّهْنِ، والإجارة، فَتُقَدَّمُ هذه البَيِّنَةُ، أو بينة المدعى؟

فيه وجهان: قال في الوسيط. أظهرهما: تقديم بَيِّنَةِ المدعى، وتَصِيرُ فائدة بَيِّنَتِهِ صَرْفَ اليمين عنه. هذا ما ذكراه، والذي فَهِمْتُهُ من كلام الأصحاب، وينبغي أن يفتي (١) بموجبه؛ أن المدعى، وقد أَضَافَ المدعى عليه المَالَ إلى الغائب، خصومة معه، وأخرى مع الغائب.

فإذا أَقَامَ البَيِّنَةَ انصرفت الخُصُومَةُ عنه، لا مَحَالَةَ، ولا يجيء فيه الوَجْهَانِ المذكوران، فيما إذا اقْتَصَرَ على الإقْرَارِ للغائب، فَتُسْمَعُ البَيِّنَةُ التي يَضُمُّهَا في حَقِّهِ، ليصرف الخصومة عنه، لدفع التُّهْمَةِ [عنه] (٢) أيضاً، ولِدَفْعِ اليَمِينِ أيضاً.

إذا قلنا: إن المُدَّعِي يُتَمَكَّنُ من تحليفه، وبنوا (٣) على انْصِرَافِ الخُصُومَةِ عنه، أن المدعي لو أقام البَيِّنَةَ، والحَالَةُ هذه، فَلاَ بُدَّ له من اليَمِينِ، والقَضَاءُ قَضَاءٌ على الغائب وَجْهاً واحداً.

وأما بالإضافة إلى الغائب، فهي غير مَسْمُوعَةٍ، حتى لا يُحْكَمَ للغائب بالمِلْكِ، بالبَيِّنَةِ التي يَضُمُّهَا الحَاضِرُ، على أنه للغائب. فإن تَعَرَّضَ الشهود مِع ذلك لِكَوْنهِ في رَهْنِ الحاضر، أو إِجَارَتِهِ، فيه وجهان عن أبي إِسْحَاقِ: أن من الأصْحَاب من قال: تُسْمَعُ هذه البَيِّنَةُ للغائب أيضاً؛ لأن الحَاضِرَ يَدَّعِي حَقّاً، ويقيم البَيِّنَةَ عَليه، فَلاَ بُدَّ من إِثْبَاتِهِ، ولا يَثبُتُ حَقُّهُ إلا بِثُبُوتِ مِلْكِ الغائب.

وعلى هذا فَتُرَجَّحُ بَيِّنَتُهُ على بَيِّنَةِ المدعي، لتقويمها باليَدِ.

والثاني: أنه لا يَتَمَكَّنُ من إِثْبَاتِ المِلْكِ للغائب مَقْصُوداً ولا يَتَمَكَّنُ منه في ضِمْنِ إثبات الحَقِّ لنفسه. وعلى هذا فالعَمَلُ بِبَيِّنَةِ المدعي. والناقلون رَجَّحُوا الوَجْهَ الثاني، ولا بَأْسَ بالأول، وبِتَوْجِيهِهِ. وقوله في الكتاب: "وإن قلنا ينصرف عنه" يجوز أن يُعَلمَ لَفْظُ الانصراف بالحاء؛ لأنه يُحْكَى عن أبي حَنِيْفَةَ أنها لا تَنْصَرِفُ.

وقوله "فهو قضاء على الغائب". وقوله: "فيحتاج إلى يمين معه" مُعَلمَانِ بالواو لما بَيَّنَّاهُ. والله أعلم.

قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَحَيْثُ تَنْصَرِفُ الخُصُومَةُ عَنْهُ فَلِلْمُدَّعِي تَحْلِيفُهُ بِنَاءً عَلَى الأصَحِّ فَإِنَّهُ لَو أَقَرَّ الثَّانيْ غَرِمَ لَهُ القِيمَةَ.


(١) في ز: يغني.
(٢) سقط في: أ.
(٣) في ز: وسواء.

<<  <  ج: ص:  >  >>