للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأصحهما -وهو المذكور في الكتاب-: أنها تفسدهما كما تُفْسِدُ الصَّوْمَ والصَّلاةَ، ولا فرق على الوجهين بين أن يطول زَمَانُهَا أو يقصر، وإذا قلنا: بالفساد فوجهان:

أظهرهما: أنه يبطل النُّسُكُ بالكُلِّيَّةِ، حتى لا يمضي فيه لاَ فِي الردة ولا إذا عَادَ إلى الإِسْلاَمِ، لأن الرِّدَّةَ محبطَةٌ لِلْعِبَادَةِ.

والثاني: أن سَبِيلَ الفَسَادِ هَاهُنَا كَسَبِيلِهِ عند الجماع، فيمضي فيه لَوْ عَادَ إلى الإسْلاَم، لكن لا تجب الكَفَّارة كما أن إفساد الصَّوْمِ بالردة لا تتعلق به الكفارة، ومن قال بالأول فرق بينها وبين الجماع بمعنى الإحْبَاطِ، وأيضاً فإن ابتداء الإحْرَامِ لا ينعقد مع الرِّدَّةِ بِحَالٍ، وفي انعقاده مع الجِمَاعِ ثلاثة أوجه:

أحدها: أنه ينعقد على الصِّحَّة، فإن نزع في الحَالِ فذاك، إلا فَسَدَ نُسُكُه، وعليه البَدَنَةُ والقَضَاءُ، والمُضِيُّ فِي الفَاسِدِ.

والثاني: أنه ينعقد فاسداً، وعليه القضاء، والمُضِيَّ فيه مكث أو نزع، ولا تَجِب الفِدْيَةُ إِنْ نَزَعَ في الحَالِ، وإن مكث وجبت، وَهَلْ هِيَ بَدَنَةٌ أو شَاةٌ؟ يخرج على القولين في نَظَائِرِ هَذِهِ الصُّورَةِ.

الثالث: أنه لا ينعقد أصْلاً كما لا تنعقد الصَّلاة مع الحَدَثِ.

قال الغزالي: النَّوْعُ السَّادِسُ مُقَدِّمَاتُ الجِمَاعِ كَالقُبْلَةَ وَالمُمَاسَّةِ، وَكُلُّ مَا يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ مِنْهَا يُوجِبُ الفِدْيَةَ أَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِل (م)، وَلاَ تَجِبُ البَدَنَةُ إِلاَّ بِالجِمَاعِ، وَأَمَّا النِّكَاحُ وَالإنْكَاحُ لاَ يَنْعَقِدَانِ مِنَ المُحْرِمِ (ح) وَلاَ فِدْيَةَ فِيهِ.

قال الرافعي: مقصود الفصل مَسْألَتَانِ:

إحداهما: ليس للمُحْرِم التقبيل بالشَّهْوَةِ وَلاَ المباشَرَةِ فيما دُون الفَرْجِ، كالمفاخَذَةِ واللمس بالشَّهْوَةِ قبل التَّحَلُّل الأَوَّلِ، فإن الاعتكاف يحرم جميع ذلك ومعلوم أن الإحرام أولى بِتَحْرِيمِهِ فِيهِ، وَفي حِلِّهَا بعد التحلل الأول مَا مَرَّ مِنَ الخِلاَفِ، وحيث ثبت التَّحْرِيمُ وَبَاشَرَ شيئاً مِنْها عَمْداً وجبت عَلَيْهِ الفِدْية، روي عن علي (١) وابْنِ عَبَّاسٍ (٢) -رضي الله عنهما-: "أَنَّهُمَا أَوْجَبَا بِالْقُبْلَةِ شَاةً" وإن كان ناسياً لم يلزمه شَيْءٌ بِلاَ خِلاَف؛ لأنه استمتاعٌ مَحْضٌ، ولا يُفْسِد شَيْءٌ مِنْهَا الحَجِّ، ولا يوجب البَدَنة بِحَالٍ سواء، أنزل أو لَمْ يَنْزِل، وبه قَالَ أَبُو حَنيفَة.


(١) أخرجه البيهقي (٥/ ١٦٨) وقال: منقطع.
(٢) أخرجه البيهقى (٥/ ١٦٨) وهو منقطع.

<<  <  ج: ص:  >  >>