وقوله:"ولا يفرق الفريضة" منهم من لم يثبته لما بيناه من جواز التفريق، وقال: الثابت رواية الربيع، وهي لا تفارق الفريضة أي: إذا وجد السَّاعي في المال أحد الصّنفين دون الآخر لم يجز أن يفارق الموجود ويكلفه تحصيل المفقود، ومَنْ أَثْبته حمله على تفريق التَّشْقيص في صورة المائتين، أو التَّفريق مع الجَبْران من غير ضرورة مثل أن يأخذ أربع بنات لَبُون وحقَّة، ويعطي الجبران وهو واجد لخمس بنات لبون، ويجري الوجهان متى بلغ المال أربعينات وخمسينات بحيث يخرج منها بنات اللَّبون والحقاق بلا تشقيص، ولعلَّك تقول: ذكرتم أن السَّاعي يأخذ الأَغْبَط ويلزم من ذلك أن يكون أَغْبَط الصنفين هو المخرج، فكيف يخرج البعض من هذا والبعض من ذاك.
فاعلم أن ابن الصَّبَّاغ أجاب عن هذا فقال: أما ابن سريج فلا يلزمه هذا إذ الخِيَار هذا عنده لرب المال، أما على قول الشافعي -رضي الله عنه- فيجوز أن يكون لهم حظّ ومَصْلَحة في اجتماع النَّوعين، وهذا يفيد معرفة شيء آخر وهو أن جهة الغبْطَة غير منحصرة في زيادة القيمة إذا كان التَّفَاوت لا من جهة القيمة يتعذر وإخراج الفضل وقدر التفاوت.
قال الرافعي: في حديث أنس -رضي الله عنه- أن النَّبي -صلى الله عليه وسلم- قال:"وَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ جَذَعَةً وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُ حِقَّةٌ فَإنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ وَيُعْطِيه المصَدَّقُ شَاتَيْنِ، أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَماً ومن بلغت صدقته حقه وليست عنده وعنده جذعة فإنها تقبل منه ويعطيه المصدق شاتين أو عشرين درهماً"(١) وروي مثل ذلك في بنت المَخَاضِ وبنت اللَّبُونِ.
من وجبت عليه بنت مخاض، وليست عنده جاز أن يخرج بنت لبون، ويأخذ من السَّاعي شاتين، أو عشرين درهماً؟ وإن وجبت عليه بنت لبون وليست عنده جاز أن يخرج حقَّة، ويأخذ ما ذكرنا؟ وإن وجبت عليه حِقَّة وليست عنده جاز أن يخرج جَذَعَة، ويأخذ ما ذكرنا، وهذه صور الارتقاء عن الواجب. ولو وجبت عليه جَذَعَة وليست عنده جاز أن يخرج حِقَّة مع شَاتَيْن، أو عشرين درهماً.