والثاني: يثبت؛ لاتفاقهما على أصْلِ القتل، والاختلاف في العمديَّة والخطأ به ليس كالاختلاف في الصورة السابقة، لأن التكاذُب هناك في أمرِ محسُوسٍ والعمدية والخَطَيئَّةُ في محلِّ الاشتباه، فالفعْلُ الواحدُ قد يعتقدُه أحدُهما عمداً، والآخر خطأً، وهذا ما أورده ابن الصبَّاغ وجماعةٌ.
فإن قلْنا بالأول، فالحكم على ما ذَكَرْنا في "صورة التكاذُب"، وإن قلنا بالثاني، فقد ذكر في "الشامل": أنه يُسْأَلُ الجاني، فإن أقر بالعُمْدِ، ثبت، وإن أقر بالخطأ وصدَّقه الوليُّ [فذلك] وإن كذَّبه، فللوليِّ أن يُقْسِم؛ لأن له بما ادعاه شاهداً واحداً، وذلك لوْثٌ.
قال: ويخالف هذا ما إذا شهِدَ أحدهما على إقْراره بالقَتْل العمد، والآخر على إقراره بمطلق القتل؛ لأن الشهادة هناك عَلَى الإقْرار، واللوْثُ إنما يتحقَّق في الفعْل لا في الإقْرار، وهذا العُذْر لا يجيْء فيما إذا شَهِد أحدهما على القتْل العَمْد نفسه، والآخر على مطْلَق القتل، فلْيحكُم بحصول اللوْث فيه.
ثم ذكر أنه إن أقسم الوليُّ، ترتب حكم القسامة عليها، وإلا فيحلف الجاني، فإن حَلَف، فالدية المخفَّفة في ماله وإن نكَل، فهل تُردُّ اليمينُ على المدَّعِي لنكوله؟
فيه قولان قد سبق ذكرهما، فإن رُدَّت، وحلف، ثبت موجب العَمْدِ، وإن لم ترد أو قلنا بالرد، وامتنع من الحَلِفِ، ثبتت دية الخطأ في ماله.
أمَّا أَنَّه يثبتُ ديةُ الخَطَأ دون العَمْدِ، فلأنها أخفُّ، وقد ثبت أصل القتل.
وأما أنها في ماله، فلأن العاقلة لا يُضْرَبُ عليهم شيْءٌ ما لم يثبت الخطأ.
والذي أورده صاحب "التهذيب" في المسألة أنه إنْ كان المدَّعِي القَتْلَ خطأً، فشهادة شاهد العمْد لَغْوٌ، ويحلف المدَّعِي مع شاهد الخطأ، وتجب الدية على العاقلة، وإن كان المُدَّعي القتلَ عَمْداً، فشهادة شاهد الخطأِ لغو، (ويحلف) المدعي خمسين يميناً، ويثبت موجب القسامة.
قال: ولو شهد أحدُهما على أنَّه أقر بقتله عَمْداً، والآخر على أنه أقر بقتله خَطَأً، فالجواب كذلك إلا أنَّه إذا حلَف على الخَطَأ، فتكون الدية في مال المدَّعَى عليه، إلا أن يصدِّقه العاقلة.
" فَرْعٌ"
شهد اثنان على أنَّه ضرب مَلْفُوفاً "في ثوْبٍ" فقدَّه بنصفين، ولم يتعرَّضا لحياته وقْت الضرب، لم يثبتِ القتْل بشهادتهما، فلو اختلف الجاني والوليُّ في حياته حينئذ،