للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الاختلاف في الإقرار، ولو قال أحدهما: أقر بأنه قَتَلَهُ بـ"مكة" له يوم كذا وقال الآخَرُ: أقر بأنه قتله بـ"مصر" في ذلك الْيَوْمِ، سَقَطَ قولاهما.

الثانية: إذا ادعَى القَتْلَ، وأقام شاهدَيْن، شهد أحدهما بأنه قَتَلَه، والآخرُ بأنه أَقَرَّ بقتله، لا يَثْبُت القتل؛ لأنهما لم يتَّفِقَا على شيء واحد، ولكنه لَوْثٌ يثبت به القَسَامَةَ؛ ولا يجيء فيه الخلاف المذكور في الصورة السابقة؛ لأن الشهادتَيْنِ هناك مُتَكَاذِبَتَان، وههنا لا تكاذُب ولا تَنَافي، ولأن واحد منهما، لو انفرد بالشهادة التي شَهِدَ بها، حَصَلَ اللَّوْثُ، فإذا اجتمعا، كان أَوْلَي، ثم إن كان المدَّعِي قَتْلَ عَمْدٍ، وأقسم الوليُّ ترتَّب على القَسَامَةِ حكمها، وإن كان المدعي قتْلَ خطأ، حلفَ مع أي الشاهدَيْن شاء، والكلامُ في أن اليمين تتعدَّد أو تَتْحِدُّ على ما سَبَق، فإن حلَف مع شاهد القَتْل، وجبت الدِّيَة على العاقلة، وإن حَلَف مع شاهد الإقرار، وجَبَتْ في مال الجانِيَ، فإن ادَّعَى القتل العَمْدَ، وشهد أحدُ الشاهدَيْن على إقراره بالقتل العَمْدِ، والآخر على إقراره بالقَتْل المطْلَق، أو شهدَا على نَفْسِ القَتْل أو شهد أحدهما بأنه قتل عمداً؛ والآخر بالقتل [المطلق] ثبت أصل القتل؛ لاتفاقهما عليه، حتى لا يقبل من المدعَى [عليه] (١) إنكارُه، ويُسْأل عن صِفَةِ القتل، فإن أصَرَّ على إنكار الأصْل، قال الحاكم: إن لم تبيِّن صفة القتل، جعَلْتُك ناكلاً، وردَدتُّ اليمين على المدعِي، أنك قتلت عمداً، وحكمتُ عليك بالقصاص.

وإن بيَّن صفة القتل؛ بأن قال: قتلتُه، عمْداً أجرَى عليه حكْمَه، وإن قال قتلتُهُ خطأ، وكذَّبه [الوليُّ]، فقد أطلق مُطْلِقُون أن القول قولُه في نفْي العمْدية، فيحلف، وتكون ديةُ الخطأ في ماله؛ لأنها ثبتت بإقراره، وإن نكَل، حلَفَ المدعِي، واستحق القصاص.

واستدرك الإمامُ وصاحب الكتاب، فقالا: القولُ قولُه في نفْي العمدية، إن لم يكن هناكَ لَوْثٌ، وإن كان، فيقسم المدعي، ويشبه أن يكون المراد اللوْثَ في العمدية (٢)، وإلاَّ فاللوث في أصل القتل حاصلٌ لاتفاق الشاهدَيْن عليه، وقد سبق ذِكْرَ خلاف في أنه لو ظَهَرَ اللَّوْثُ في أصل القتل دون كونه خطأً أو عمداً، هل يثبت القسامة؟ وهذا نازع إليه.

الثالثة: لو شهد أحد الشاهدَيْن بأنه قتله عمداً، والآخر بأنه قتله خطأً، والدعْوَى بالقتل العمْد، فهل يَثْبُتُ أصل القتل؟

قال الإِمام: اخْتَلَفَ فيه جَوَابُ القَفَّالِ، فقال في أحد الجوابَيْن: لا يثبت؛ لاختلاف الشهادتَيْنِ على التَّنَافِي، وإذا تكاذَبتِ الشهادتان، سَقَطتا، كما لو اختلفا في الزمان أو المكان أو الآلة، وهذا ما صحَّحه الإمَامُ.


(١) سقط في ز.
(٢) في ز: المتعدية.

<<  <  ج: ص:  >  >>