للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان ذلك مَوْهُومًا ففيه القولان، وهذا ما أوردَهُ في الكتاب، ويتولَّدُ مِنَ الطرِيقَيْن اختلافٌ في أنَّهُ: هل يجوزُ الرَّمْيُ عند الضرورة، والعِلْم بأنَّهُ يُصيبُ المسلمَ، كما سيأتي مِثْلُه فيما إذا تَتَرَّسَ الكافِرُ بالمسلمِ؟ والظاهِرُ المنصوصُ عليه في "المخْتَصَرِ" أَنهُ يجوزُ؛ لأنَّ حُرْمَةَ مَنْ يخاف عليهم أَعْظمُ حرمةً مِمَّنْ في أَيْدِي الكُفَّارِ، فَإِنَّهُ إن هلك منهم هالِكٌ، فقد رُزِقَ الشهادة، قاله أبُو إِسْحَاقَ.

ومنهم مَنْ لم يُطْلقِ القولَيْن عند عدم الضرورة، لكن قال: إن قَلَّ عَدَد المسلمِينَ في الكُفّارِ جاز رَمْيهُم؛ لأنَّ الغالِبَ أَنَّه لا يصيب المسلِمينَ، وإنْ كان عددُهم مِثْلَ عَدَدِ المشركين أو أكثر -لم يَجُزْ رَمْيهُم بها، وهذه طريقةٌ ثَالِثةٌ، وبها أجاب في، "الشَّامِلِ" وإذا رَمَى بِشَيْءٍ منها إلى القلْعةِ أو البلْدةِ وقتل مُسْلمًا، فإن لم يعلمْ أنَّ في أَهْلِها مُسْلمًا -لم تجب إِلاَّ الكفارةُ، وإن عَلِمَ وجبتِ الدِّيَةُ والكفَّارةُ، حكاه الرُّوَيانِي.

الثَّالِثَةُ: إذا تَتَرَّسَ الكُفَّارُ بالمسلمِينَ مِنَ الأسارى أو غيرهم، نُظِرَ إِنْ لم تدعُ ضرورةٌ إلى رَمْيهم، واحتملَ الحال الإعراضَ عنهم لم يجزْ رميُهم، وإن رَمَى رامٍ وقتل مسْلمًا قال في "التهذيب": هو كما لو قتلَ رَجُلًا في دَارِ الحربِ، فإن عَلِمَه مُسلمًا -فعليه القَوَدُ، وإن ظَنهُ كَافِرًا- فلا قَوَدَ، وتجبُ الكفّارةُ. وفي الدِّيَةِ قولان.

وِإنْ دعتِ الضرورةُ إليه بأن تترَّسُوا بهم في حَالِ التِحَامِ القِتَالِ، وكانوا يظفَرُون بالمسلمِينَ، ويكثرون النكاية فيهم لو كففنا -فوجهان:

أَظْهَرهُمَا: وهو المنصوصُ وهو الذي أَوْرَدَهُ أصحابُنَا العراقِيُّون أَنهُ عُذْرٌ في جَوَازِ الرَّمْي، فيرمى على قَصْدِ قتالِ المشُرِكينَ، ويتوقى المسلمين بحسب الإمْكَانِ؛ لأنَّ محذُوَرَ الإِعْراضِ أكبرُ من مَحْذُورِ الإِقْدَامِ.

والثَّانِي: أنَّهُ لا يجوزُ الرميُ إذا لم يتأت ضربُ الكفار إِلاَّ بضرْبِ المسلم؛ لأنَّ غايةَ ما فيه أنَّا نخافُ على أَنْفُسِنا، ودمُ المسلمِ لا يُباحُ بالخوفِ بدليلَ صُورةِ الإِكْراهِ، وهذا ما أورده صَاحِبُ "التَّهْذِيب" وبه أجابَ في الكِتَاب فيما إذا تَتَرَّسَ كافِرٌ بمسْلِم، وأشعر إيرادُه بتخْصِيصِ الوجْهَيْنِ بما إذا تَتَرَّسَ الكُفَّارُ بَطائِفَةٍ من المسلِمينَ في صَفِّ القِتَالِ. وأشارَ الإمامُ إلى تَوْجِيهِ الفَرْق بين الحالتَيْنِ فقال: إذا تترَّسُوا عند التفافِ الزَّحْفَيْنِ، وكان الانكفاف مِنَ الأَسْرَى يُفْضِيِ إلى أن يصطلمِ جُنْدُ الإِسلام ويختل بانْفلالِهم ركنٌ عظيمٌ، فهذا أمرٌ كُلِّي فلا يَبْعُدَ أنْ يتساهلَ في أشْخاصٍ من الأسَارَى؛ حَفْظًا على الكُلِّيَّاتِ.

التَّفْرِيعُ:

إِنْ جوَّزنا الرمْيَ، فرمى رامٍ إليهم، وقتل مُسْلمًا، فلا قِصَاصَ؛ لأنَّ القِصَاصَ مع

<<  <  ج: ص:  >  >>