للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَجْوِيز الرمْيِ مما لا يجتمعَانِ، وتجبُ الكفارةُ؛ لأنَّهُ قتل مَعْصُومًا.

وأَمَّا الدِّيَةُ: فعن الشَّافِعِيِّ -رضي الله عنه- أَنَّهُ قال في مَوْضِعٍ: تجبُ الدِّيَةُ والكفارةُ، وفي موضِعٍ اقتصر على ذِكْر الدِّيَةِ وفي النصَّيْنِ طريقان:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ ذلك ليس باختلافِ قَوْلٍ، لكنهما مَحْمُولاَنِ على حَالَيْنِ، وعَلامَ يحملان؟ عَنِ المُزَنيُّ وأَبِي الطيِّب بن سَلَمةَ وهو ظاهِرُ النَّصِّ أَنَّهُ إِنْ علم أَنَّ المرمي إليه مسلمٌ -وجبتِ الدِّيَةُ، وإن لم يعلم إسلامَه- لم تلزم.

والفرْقُ أنه إذا علم إسلامَه أَمْكَنَهُ التوقِّيَ عنه والرمي إلى غَيْرِه فغلظ عليه.

وقال أَبُو إِسْحَاقَ: إنْ قَصَدَهْ بعيْنِه -لزمه الدِّيَةُ: علمه مُسْلمًا أو لم يعلم، وإنْ لم يقصِدْه بعينِه، بل رمى إلى الصَّفِّ- لم يلزم.

والفَرْقُ أنَّه يتيسَّرُ التحرُّزُ عن قصدٍ مُعَيَّنٍ، والامتناعُ عن الرَّمْيِ والقِتَالِ مُطْلَقاً، والحالةُ هذه لا يُمْكنُ.

والطريقُ الثَّاني: أَنَّ فيه قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: تجبُ الدِّيَةُ؛ لأنَّهُ قَتَلَ مُسْلِمًا مَعْصُومًا مَعْذُورًا في الحضور هناك.

والثاني: لا تجبُ؛ لأنهُ مأذون في الرمي، وعن أَبِي حَفْصٍ بْنِ الوَكِيلِ أَنَّهُ إِنْ عَلِمَ أَنَّ هناك مُسْلِمًا وجبت الدِّيَةَ سواءً قصده بعينه أوْ لم يقصِدْه، وإن لم يعلم فعلى قَوْلَيْن.

وعَنْ أَبِي حَنِيْفَةَ أَنَّهُ لا دِيةَ ولا كفّارة.

وإنْ قُلْنا: لا يجوزُ الرميُ، فَرَمَى، قِيلَ: ففي وجُوبِ القِصَاصِ طَرِيقَانِ: أحدُهمَا: أَنَّهُ على قَوليْن كالمكره إذا قتل.

والثَّانِي: القَطْعُ بالوُجوبِ كالمضطر إذا قتل إِنْسانًا وأكَلَهُ، ويفارق المكرهُ، فَإِنَّهُ مُلْجَأٌ إلى القَتْل، وهاهنا بخلافِه، وأَيْضًا فإنَّ هناك مَنْ يُحال عليه وهو المكرهُ، وليس هاهنا غيرهُ.

وإن تَتَرَّسَ الكُفَّارُ بذِمِّيٍّ أَوْ مُسْتَأمَنٍ أو عَبْدٍ، فالحكمُ في جَوَازِ الرمْي، والدِّيةُ، والكفّارةُ على ما ذكرنا، لكَنَّ الواجِبَ في العَبْدِ القِيمةُ لا الدِّية.

وفي "التَّهْذِيبِ" أَنَّهُ لو تَتَرَّسَ كافِرٌ بتُرْسِ مسلمٌ أو ركب فرسَهُ، فرمى إليه مُسْلمٌ فأتْلفهُ، فإن كان في غيرِ الْتِحامِ القِتَالِ -فعليه الضَّمَانُ، وإنْ كان في حالِ الالتحامِ، فإنْ أمكنه أَلاَّ يُصِيبَ الترسَ والفرسَ فأصابه- ضَمِنَ، وإنْ لم يمكِنه الدفع إلاَّ بِإصَابَتِه، فإنْ جعلْناهُ كالمكْرَهِ لم يَضْمَنْ؛ لأنَّ المُكْرَه في المالِ يكونُ طَرِيقًا في الضَّمَانِ، وهاهنا لا ضَمانَ على الحربي، حتَّى يجعلَ المسلم طَرِيقًا، وإنْ جعلناه مُخْتارًا لزمه الضمان.

<<  <  ج: ص:  >  >>