الخلاف في الخطبة أيضاً مبني على قولي الاستخلاف في الصلاة، ولذلك إذا جوزنا البناء شرطنا أن يكون الذي يبني ممن سمع الخطبة من أولها، ومنهم: من رتب بناء غيره على بنائه على أذان نفسه عند طول الفصل وهو أولى بالبطلان؛ لأن صدور الآذان من رجلين أبلغ في أثارة اللبس، وهذا الترتيب هو المذكور في الكتاب، وظاهر المذهب المنع من بناء الغير عليه.
الخامسة: لو ارتد بعد الفراغ عن أذانه ثم أسلم وأقام جاز، لكن المستحب أن لا يصلي بأذانه وإقامته بل يعيد غيره الأذان ويقيم؛ لأن ردته تورث شبهة في حاله، ولو ارتد في خلال الآذان لم يجز البناء عليه في الردة بحال، لأن أذان الكافر لا يعتد به كما سيأتي، ولو عاد إلى الإسلام فهل يجوز البناء عليه؟ منهم من يحكي فيه قولين، وكذلك فعل المصنف، ومنهم من رواهما وجهين، وهم الأكثرون، وإنما كان كذلك لأنهما ليس بمنصوصين، لكن روي عن نصه في الآذان أنه لا يبني، وفي المعتكف إذا ارتد ثم أسلم أنه يبني فخرجوهما على قولين:
أحدهما: وبه قال أبو حنيفة: أنه لا يجوز البناء؛ لأنه عبادة واحدة فتحبط بعروض الردة فيها كالصلاة وغيرها، وأصحهما الجواز، والردة إنما تمنع العبادة في الحال فلا تبطل ما مضى إلا إذا اقترن بها الموت، وتخرج عليه الصلاة ونحوها من العبادات؛ لأنها لا تقبل الفصل بحال، وقطع بعضهم بهذا الوجه الثاني، وحمل كلام الشافعي -رضي الله عنه- على ما إذا أطال زمان الردة، فالحاصل في الردة طريقتان:
إحداهما: طرد الخلاف في مطلق الارتداد، طال زمانه أم قصر، وعلى هذا فللبطلان عند طول الزمان مأخذان طول الفصل، وكون الردة مبطلة للعبادة.
والطريقة الثانية: تخصيص الخلاف بما إذا طال زمان الارتداد، وتجويز البناء إذا قصر جزماً، وعلى هذا فالردة بمثابة الإغماء والكلام وغيرهما، وهل لغير المرتد البناء على أذانه؟ فيه الخلاف الذي سبق، وكذا لو مات في خلال الأذان.
وقوله:"ولو ارتد في أثناء الأذان بطل وإن قصر الزمان على أحد القولين" جرى على الطريقة الأولى وإثبات للخلاف في طول الزمان وقصره تعليلاً بأن الردة مبطلة للعبادة.