للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نظنُّهُ، وهذا يدل على أنَّ تبعيَّة الدارِ ضعيفةٌ، وإنِ اقتصر علَى مجرَّد الدعوةِ، ففيه خلافٌ، وذلك أنَّ المُزَنيَّ حَكَى في "المختصر" عن نصِّ الشافعيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أنَّه إذا قال: أحْبَبْتُ أنْ أجْعَلَهُ مُسْلِماً في الصلاة عليه، وإن أمره بالإسْلاَم، إذا بلغ من غير إجْبَار، وأنَّه -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قال في "كتاب الدعوى": أجعله مسلماً، فمن الأصحاب من جعلَهما قولَيْن:

أحدُهما: أنَّه يُحْكَم بكُفْرِه؛ لأنَّه يلْحَقُه بالاستلحاق، وإذا ثبت نسبه، تَبِعَهُ في الدِّين، كما لو قامَتِ البينةُ على النَّسَب.

وأظهرُهما: المنعُ؛ لأنَّا قد حَكَمْنا لهُ بالإسْلاَم، فلا نغيِّره بمجرَّد دعْوَى الكافر، وأيْضاً، فيجوز أن يكونَ وَلَدَهُ، ولكن من مسْلِمَةٍ؛ وحينئذٍ لا يَتْبَعُ الدِّينُ النَّسَبَ.

وقال أبو إسْحَاقَ وغيره: "يَقْطَعُ بأنَّه مسْلِمٌ كما ذكره في الدعْوَى، ويُحْمَل عَلَى ما قاله ههنا عَلَى ما إذا قَامَتِ البينةُ على النَّسَب، وهذا أصحُّ الطريقَيْنِ عِند الأكثرين (١).

والأوَّل هو الذي أورده في الكِتَاب، فليُعْلَمْ لفظُ "الخلاف" بالواو، وسواءٌ قلنا: يتبعُه في الكُفْر أو لا يَتْبَعُة في الكفر، فإنَّه يُحَالُ بينهما كما ذَكْرنا، فيما إذا وصَفَ المميِّزُ الإِسلامَ (٢)، ثم إذا بلغ ووَصفَ الكُفْرَ، فإن قلْنا: إنهُ يتْبَعُهُ في الكُفِر يقرر، ولكنه يُهَدَّدُ ويُخَوَّف أوَّلاً، فلعلَّه يُسْلِم، فإنْ قلْنا: لا يتْبَعُهُ، ففي تقريره ما سبَقَ من الخلاف.

" فَرْعٌ"

قَد مرَّ أنَّ اللقيطَ المَحْكُومَ بإسْلامه يُنْفَقُ علَيْه منْ بيْت المال، إذا لم يَكُنْ له مالٌ، وأمَّا المحْكُوم بكُفْره، ففيه وجهان:

أقْرَبُهُمَا: الإنْفَاقُ أيضاً (٣)؛ إذْ لا وجْهَ لنضييعه، وفيه نظرٌ للمسلمين؛ فإنَّه إذا بلغ أَعْطَى الجزيةَ.


(١) وخص الماوردي الخلاف بما إذا استلحقه قبل أن يصدر من اللقيط صلاة أو صوم.
(٢) وقضيته ترجيح عدم الوجوب إذا قلنا: لا يتبعه، وهو مشكل، ولهذا قال ابن الرفعة: قضية إطلاقهم على قولنا: لا يتبعه وجوب الحيلولة.
(٣) هذا الذي صححه مخالف لنص الشَّافعي في الأم فإنه قال: وليس للإمام أن ينفق من مال الله على فقير من أهل الذمة. انتهى.
ويوافقه ما جزم به الماوردي في الحاوي ونقله ابن الرفعة عنه أن اللقيط المحكوم بكفره لا ينفق عليه من بيت المال؛ لأن مال بيت المال منصوب المسلمين دون المشركين، ثم إن تطوع أحد من المسلمين أو من أهل الذمة بالنفقة عليه، وإلا جمع الإمام أهل الذمة الدين كان المنبوذ من أظهرهم، ويجعل نفقته مقسطة عليهم ليكون ديناً لهم إذا ظهر أمره، فإن ظهر له سيد أو قريب موسر رجع بها عليه، وإن لم يظهر ذلك كانت ديناً عليه، ويرجعون بقاء في كسبه إذا بلغ. انتهى.

<<  <  ج: ص:  >  >>