للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالكفر، قال الشافعيُّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: "لاَ يَتَبَيَّنُ لي أَنْ أَقْبَلَهُ وَلاَ أُجِيزَهُ عَلَى الإِسْلامِ" وللأصحاب فيه طريقان:

أحَدُهُمَا: أن هذا تَردِيدُ قَوْلٍ منْهُ، وفي كونِه مُرْتدًّا أو كافراً أصلياً قولان، كما في المحكُومِ بإسْلامه تَبَعاً لإبوَيْه أو السَّابي:

أَظهرُهما: القَطْعُ بأنَّه كافرٌ أصليٌّ بخلاف منْ يُحْكَمُ بإسلامه تبعاً لابُوَيْهِ، أو للسَّابي؛ لأنَّ الحُكْمَ هناك جازٍ علَى علْمٍ منا بحقيقة الحالِ، وههنا مبنيٌّ على ظاهرِ الدَّار. فإذا أعرب عن نَفْسِهِ بالكفر، تبيَّن خلافُ ما ظنننا [هـ]، وهَذا كما أنَّه، لو بَلَغَ، وأمرَ بالرِّقِّ، يُقْبَلُ، وإن كنَّا نقول بحرِّيَّتِهِ؛ بناءً على الظاهر، وإلى هذا أشارَ في الكِتاب بقَوْلِهِ: "لأن تَبَعِيَّةَ الدَّارِ ضَعِيفَةٌ" ثم احتجَّ على صحَّتها بمسأَلَتَيْنِ:

إحداهما: إذا جعلْنَاه كافراً أصليًّا عنْد إعْرَابِهِ بالكُفْر، ففي التوقُّف في الأحكام الموقُوفَة عَلى الإسْلاَم وجْهَان:

أظهرُهُمَا: أنَّا لا نتوقَّف، بل نُمْضِيهَا كما في المحكوم باسْلامه بأبوَيْه أو بالسَّابِي.

والثاني، وإلَيْه مَيْلُ صاحب "التقريب": أنَّا نتوقَّف إلَى أن يَبْلُغَ، فَيُعْرِبَ عن نَفْسِه، فإنْ مات في صِبَاه، لم يحْكَمْ بشَيءٍ من أحكام الإِسْلام، ويجوز أن يُعْلَمَ قولُهُ في الكتابِ: "كَافِرٌ أَصْلِىٌّ" بالحاء والألف؛ لأنَّ أبا حنيفَة وأحمدَ يجْعَلاَنِهِ مرْتَدًّا.

وقولُه: "وكأنَّه توقُّفٌ" أراد به التَّوَقُّفٌ في أحكام الإِسْلام، لكنَّه قد صرَّح بعد هذه اللفظة بتردُّد الأصحاب في المسألة، فلو طَرَحَهَا، لَمَا ضَرَّ.

وقولُه: "وبه علَّل نص الشافعيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-" إلى آخره، أراد به أنَّ الخلافَ الَّذي نَذْكُرُه في تعلُّق القِصَاصِ بقَتْل اللَّقِيط، جَعَلَ صاحبُ "التقريب" مأْخَذَ الخِلاَفِ في التوقُّف في أحْكَام الإسْلام، والمَسْألةُ بشَرْحِها وما قيلَ في مأْخَذِ الخلافِ فيها بيْن يَدَيْكَ.

وهناك يتبيَّن أنَّه هل للشافعيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- نَصٌّ عَلى سقوطِ الضمان، كما ذكره أم كَيْفَ الحال؟ وليْسَ فيما حَكاهُ منْ تعليل صاحب "التقريب" في هذا الفَصْل كثيرُ غرضٍ، ويُغْنِي عنه ما في الفَصْل بَعْد هذا.

واعْلَمْ أَنَّ قولَهُ في أوَّل الفَصْل "فهو محكومً بإسْلامه" ينبغي أنْ يُحْمَلَ على ما يشترك فيه الحكْمُ بالإِسلام جَزْماً، والتوقُّف في أحكام الإِسلام، وهو الامتناعُ مِنَ الحُكْمِ بكفره وما أشْبَهَهُ، وإلاَّ، فإذا حَكَمْنا بالإِسلام جزماً، كيف ينتظم هنا التردُّد في أحكامه؟! ويجوزُ أن يجعل الأول جواباً على الأظْهَرِ، ثم تبين بالآخرة أنَّ فيه خلافاً.

المسألة الثانية: المحْتَجُّ بها، وهي مقصودُةُ في نَفْسِها، اللقيط الذي وُجِدَ في دار الإسْلاَم، لو ادعى ذمي نسبه، وأقام عليه بينة، لَحِقَهُ وتَبِعَهُ في الكفر، وارْتفع ما كنَّا

<<  <  ج: ص:  >  >>