للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال أبو إسحاقَ المروزيُّ: إنَّه مسلمٌ؛ لأنَّ الدارَ دارُ الإسْلامِ، وربَّما بَقِيَ فيها مَنْ يكْتُم إيمانَه، وإن كان فيها مَنْ يعرف بالإسْلاَم، فهو مُسْلِمٌ.

وقال الإمامُ: يَجُوزُ أن تجرى هذه الدارُ مَجْرَى دار الكفْرِ؛ لغلبة الكفَّار عليها.

وأعْلَمْ أن عدَّهم الضَّرْب الثالِثَ من دارِ الإِسلام يُبَيِّنُ أنَّه ليْسَ من شَرْط دارِ الإسْلاَم أن يكون فيها مُسْلِمُون، بَلْ يكْفي كَوْنُها في يَدِ الإمَامِ واستيلائه.

وأمَّا عدُّهُمُ الضَّرْبَ الثَّالِثَ منْهَا، فقد يُوجَدُ في كلامِ الأصْحاب ما يُشْعِرُ بأنَّ الاستيلاءَ القديمَ يكفي؛ لاستمرار الحُكْم، ورأيتُ لبعض المتأخِّرين تَنْزِيلَ ما ذَكَرُوه على ما إذا كانُوا لا يَمْنَعُون المسْلِمينَ منها، فإنْ مَنَعُوهم، فهي دارُ كُفْرٍ.

وأمَّا دارُ الكُفْرِ، إن لم يكن فيها مسلمٌ، فاللَّقِيطُ الذي يوجَدُ فيها محكوم بكفره، وإن كان فيها تُجَّارٌ من المُسْلِمِين ساكنُونَ، فوجهان:

أحدُهُما: أنَّه كافرٌ، تَبَعاً للدار.

وأشبههما، ويحكى عن ابن أبي هريرةَ: أنَّه مسلمٌ؛ لقيام الاحتمال؛ تغليباً للإسْلاَم، ويجري الوجْهان فيما إذا كان فيها أسَارَى، ورأَى الإمامُ ترتيب الخلاف [فيه عَلَى الخلاف] (١) من التُّجَّار؛ لأنَّهم تحْتَ الضَّبْطِ (٢)، قال، ويُشْبِهُ أنْ يكونَ الخِلاَفُ في قَوْمٍ ينتشرون، إلاَّ أنَّهم ممْنُوعُون من الخروج من البَلْدة، فأمَّا المحبوسون في المطامير، فيتجه ألا يكونَ لَهُمْ أثرٌ، كما لا أثر لطرق العابرين من المُسْلمين، وحيث حكَمْنا لِلَّقيطِ بالكُفر، فَلَو كان أهْلُ البقعة أصحابَ مِلَلٍ مختلفةٍ، فالقياسُ أن يجعل [من] خَيْرِهِمْ دِيناً (٣). وقولُه في الكتاب: "فكلُّ لقِيط وُجِدَ في دار الإسْلاَم، فهو محكومُ بإسلامه" مطلق، لكن قد عَرفْتَ بما ذكرنا أنَّ الأمْرَ فيه على التَّفْصيل، إلاَّ أن يريدَ به الضربَ الأَوَّل خاصَّةٌ، فيكون الكلامُ علَى إطلاقه.

وقولُه: "إلاَّ إذا كان فيها مُسْلِمٌ ساكِنٌ" أشار [به،] إلى الطروق، والاختيارُ لا أثر له. إذا عَرَفْتَ ذلك، فالصَّبيُّ المحكومُ بإسْلامه بتبعيَّة الدار، إذا بلغ وأعْرَبَ عن نَفْسِه


(١) سقط من: د.
(٢) قال في الخادم فيه أمران:
أحدهما: قضية إطلاق ما صححوه أنه لو كان مسلم واحد بمصر عظيم بدار الحرب ووجد فيه كل يوم مائة لقيط مثلاً أن يحكم بإسلامهم.
الثاني: التقييد بالسكنى يوهم اعتبار الاستيطان، والظاهر أنه ليس مراده، بل من انقطع عنه حكم السفر كالسكن.
(٣) عبر النووي بقوله "اصونهم" بالنون وهو خير من قول الرافعي القياس أن يجعل من خيرهم ديناً فإنه لا يقال اليهودية خير من النصرانية، كما نقله في باب الردة.

<<  <  ج: ص:  >  >>