للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

واسترقاقهم؟ فيه خلاف مذكور في موضعه، فإن قلنا: يُبلَّغُونَ المأمنَ، فقد حَكَى الإِمام وجهَيْن؛ في أنا هل نقتلهم مُنْهَزِمين؟ فمن قال: نعم، جعل ذلك من بقيَّة العقوبة على القتال، وقال الإِمام: ينبغي أن يُقْطَع بأنهم يَضْمَنُون ما أتلفوا؛ لأنا إذا قلْنَا: إنهم يُبلَّغون المأمن، جعلناهم في بقية من الأمان، فكيف يجوز أن تُغرِّمهم، والذي ذكره صاحب "التهذيب" وغيره: أنه كما ينتقض (١) في حقِّ أهل العدل، يتبعض في حقِّ أهل البغْي، وفي "البيان" أنه ينبغي أنْ يكونَ في انتقاضه في حقِّ أهل البغْي الخلافُ الذي مرَّ في المسألة الأولَى، وإن قلْنا: لا ينتقض عهْدُهم، فهم كأهل البغْي، في أنه لا يُتْبَعُ مُدْبِرهُم، ولا يُذفَّف على جريحهم، [ولو] (٢) أتلفوا مالاً على أهْل العدْل، لزمهم الضمان بخلاف أهل البغْي؛ فإنهم لا يَضْمَنون على قول؛ لأنا إنما أسقَطْنا الضمان عنهم استمالة لقلوبهم، وردَّاً لهم إلى الطاعة؛ كيلا يتنفَّروا بسبب التَّبعاتِ، ويستمروا على الخُروج عن قَبْضة الإِمام، [وبأهل الذمة في قبضته] (٣) وأمانُهُمْ باقٍ لأن الله -تعالى- أمر بالإصلاحِ بيْن المؤمنين في "آية [البغي] " (٤) ولم يذكر مؤاخذةً بدَمٍ، ولا مالٍ، فأَشْعَر ذلك بالتخَفيف في حقِّهم؛ هذا في ضمانِ المال، ولو أتلفوا نفساً قال الإِمام: إن قلنا: يجب القصاص على أهل البغْي، [فأولَى أن يجب على أهْلِ الذمة، وإن قلنا: لا قصاص عَلَى أهْل البغي] (٥)، فوجهان:

أحدهما: يجب على أهل الذمة، كما يُقْطَع لإيجاب ضمان المال.

والثاني: لا يجبُ؛ للشبهة المقترنة بأحوالهم.

" فَرْعٌ"

إذا قاتل أهلُ الذمة أهلَ البَغْي، قال القاضي ابن كج: المذْهَب: أنه لا ينتقض عهدهم؛ لأنهم حارَبُوا مَنْ يجب على الإِمام محاربته، وعن رواية أبي الحُسَيْن وجْه أنه ينتقض؛ لأنهم حارَبُوا المُسْلِمين، وهذا أوفقُ لمَا تقدَّم؛ أنه [ليس] للإمام أن يستعين بالكفَّار على قتال أهل البَغْيِ [والله أعلم].

وقوله في الكتاب: "بل نَقتُلُ مُدْبِرَ أَهْلِ الحرب" ليعلَمْ بالواو؛ لمَا حكيناه عن القاضي، وكذا قوله "بطَلَ عَهْدُهم"؛ لأن المقصود مِنْ هذه الصورة؛ ما إذا كانوا عالمين بأنَّه لا يجوزُ لهم القتال، ولم يكن إكراهٌ، وقد ذكرنا أنَّ من الأصحاب مَنْ ذكر الخلافَ في بطْلان العهْد، وكذا قوله "كانوا كأهل البغي" للرواية عن أبي سلمة.


(١) في ز: انتقض.
(٢) في أ: وإذا.
(٣) سقط في ز.
(٤) سقط في ز.
(٥) سقط في ز.

<<  <  ج: ص:  >  >>