للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الغزالي: الفَصْلُ الثَّانِي: في التَّزَاحُمِ عَلَى الحُقُوقِ في الطُّرُقِ وَالحِيطَانِ وَالسُّقُوفِ، أَمَّا الطُّرُقُ فَالشَّوَارعُ عَلَى الإِبَاحَةِ كالمَوَاتِ إلاَّ فِيمَا يَمْنَعُ الطُّروُقَ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ (ح) أَنْ يَتَصَرَّفَ في هَوَاِئهِ بِمَا لا يَضُرُّ بِالمَارَّةِ وَلاَ يَمْنَعُ الجَمَلَ مَعَ الكَنِيسَةِ، وَكَذَلِكَ يَفْتَحُ إِلَيْهِ الأَبْوَابَ، وَالأَظْهَرُ (و) جَوَازُ غَرْسِ شَجَرَةٍ وَبِنَاءِ دِكَّةٍ إِذَا لَمْ يُضَيِّقِ الطَّرِيقَ أَيْضًا.

قال الرَّافِعِيُّ: غرض الفصل الكلام في المزاحمات، والتصرفات الواقِعَة في المُشْتَرَكاتِ، إما اشتراك عموم كالطُّرُقِ، أو خُصُوصٍ كالجُدْرَانِ والسُّقُوفِ.

أما الطريق: فينقسم إلى نَافِذٍ وغيره.

القسم الأول: النَّافِذ وهو الذي أراده بالتنازع، فالنَّاسُ كلهم يستحقون المُرورَ فيهِ، وليس لأَحَدٍ أن يتصرف فيها بما يبطل المرور، لا أن يشرع (١) جناحًا، أو يتخذ على جدرانه ساباطا (٢) يضر بالمَارة، وإن لم يضر فلا يمنع منه، وبه قال مالك.

وقال أبو حَنِيفة: لا اعتبار بالضرر وَعَدَمِهِ، ولكن إن خاصمه إِنسان فيه نزع وإن لم يَضُر، وإلا ترك، وقال أَحْمَد: لا يجوز إشْرَاع الجَنَاحِ بِحَال إلا إذا أَذِنَ فِيهِ الإِمَامُ.


= فله المطالبة ببدلها.
الرابعة: قال الشَّافعي رضي الله عنه: لو اشترى رجل أرضًا وبناها مسجدًا فجاء رجل فادعاها، فإن صدقه المشتري، لزمه قيمتها. وإن كذبه، فصالحه رجل آخر، صح الصُّلْح؛ لأنه بذل مال على جهة القربة، ولأن القيمة على المشتري؛ لأنه وقفه، والصلح عما في ذمة غيره بغير إذنه، جائز.
الخامسة: لو أتلف عليه شيئًا قيمته دينار، فأقر به، وصالحه على أكثر من دينار، لم يصح، لأنّ الواجب قيمة المتلف، فلم يصح الصُّلْح على أكثر منه، كمن غصب دينارًا، فصالح على أكثر منه. ولو صالحه عنه بعوض مؤجل، لم يصح.
السادسة: سبق في أول الباب أن الصُّلْح عن المجهول، لا يصح. قال الشَّافعي رضي الله عنه: لو ادعى عليه شيئًا مجملاً، فأقر له به وصالحه عنه على عوض صح الصُّلْح، قال الشيخ أبو حامد وغيره: هذا إذا كان المعقود عليه معلومًا لهما، فيصح، وإن لم يسمياه، كما لو قال: بعتك الشيء الذي تعرفه أنا وأنت بكذا، فقال: اشتريت، صح.
السابعة: إذا أنكر المدعى عليه، ووكل أجنبيًا ليصالح كما سبق، فهل يحل له التوكيل؟ وجهان. قال ابن سريج: يحرم عليه الإنكار. ولو فعله، فله التوكيل في المصالحة. وقال أبو إسحاق: يحرم عليه أيضًا التوكيل. ولو مات مورثه وخلف عينًا، فادعاها رجل، فأنكره ولا يعلم صدقه، وخاف من اليمين، جاز أن يوكل أجنبيًا في الصُّلْح، لتزول الشبهة، حكاه في "البيان".
(١) يشرع أي يخرج، والجناح هو الخارج من الخشب مأخوذ من جنح يجنج بفتح النون وضمها إذا مال. قاله في اللغات وقال الكمال الدرماري في شرح التنبيه أنه مأخوذ من جناح الطير.
(٢) الساباط سعيفة بين حائطين تحتها طريق والجمع سوابيط، وساباطات. قاله الجوهري.

<<  <  ج: ص:  >  >>