للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سيأتي في موضعه -إن شاء الله تعالى-، فإن مات قبل الاختيار والتعيين يوقف الميراث بَيْنَهُنَّ، فإن اصطلحن على الاقتسام على تفاوت أو تَسَاوٍ، مكن منه، واحتج مجوزوا الصُّلْح على الإِنْكَارِ بهذه المَسْألة؛ لأن كُلَّ واحدة منهن تنكر نِكَاح مَنْ سِوَاها، وَسِوَى ثَلاَثٍ مَعَهَا، فالصُّلْحُ الجارِي بينهن صُلْحٌ عَلَى الإِنْكَارِ، قال الأصحاب: هن بين أمرين، إن اعترفن بشمول الإِشْكَالِ فليست واحدة منهم بِمُنكرة لِغَيْرِها، ولا مُدَّعِية لِنَفْسِها في الحَقِيقَةِ، وإنما تَصِحّ القِسْمَة والحالة هذه مع الجَهْلِ بالاسْتِحْقَاقِ للضرورة، وتعذر التوقف لا إلى نهاية، وإن زعمت كُلُّ وَاحِدَةٍ منهن الوقوف على اختيار الزوج إِيَّاهَا، فكل من أخذت شيئًا تقول: الذي أخذته بَعْضُ حَقِّي، وسامحت الباقيات بالباقي وتبرعت، والمالك غَيْرُ ممنوع من التَّبْرُّعِ، وقد ذكرنا فيما إذا ادعى على غيره عَيْنًا فأنكر ثم تصالحَا على حَطِيطَةٍ من قَبْل وَجْهَين، فمن صَحَّحَهُ احتج بهذه المسألة، وقال: إن الاقتسام الجَارِي بينهن صُلْحٌ عَلَى الحَطِيطَةِ، ومن لم يصححه فرق بأن المال في يَدِ المُدَّعَى عَلَيْهِ، وَفَصْلُ الأمر ممكن بتحليفه، وهاهنا استوت الأقْدَام، ولا طريق إلى فَصْلِ الأَمرِ سوى اصطلاحهن، ولو اصطلحن على أن يأخذن ثلاث أو أربع منهن المال الموقوف ويبذلن للباقيات عوضًا من خالصِ مالِهِنّ، لم يَجُز؛ لأنّ الصُّلْحَ هكذا بذل عوض مملوك في مقابلة ما لم يثبت ملكه، ومن أخذ عوضًا في معاوضة لا بُدَّ وأن يكون مستحقًا للمعوض، فإذا لم يكن الاستحقاق معلومًا لم يجز أخذ العِوَضِ عَلَيْهِ، ولا يخفى عليك مما أجريته في المَسْأَلة السبب الداعي إلى إيرادها في هذا الموضع.

واعلم أن جميع ما ذكرناه، مبنى على وقف الميراث لَهُنَّ، وفيه كلام آخر مذكور في نِكَاحِ المُشْرِكَاتِ، وفي نَظائِرِ المَسْأَلَةِ ما إذا طلق إحدى امرأتيه، ومات قبل البيان وقفا لهما الرّبع أو الثمن واصطلحتا، وما إذا ادعى اثنان وديعةً في يَدِ الغَيْرِ، وقال المُودع: لا أدري أنه لأيّكما، وما إِذا تَداعَيَا دارًا في يدهما وأقام كُلُّ واحدٍ منهما بينة ثم اصطلحا، أو في يدِ ثَالِثٍ وقلنا: لا تتساقط البينتان بالتعارض فاصطلحا (١).


(١) قال النووي: وهذه مسائل تتعلق بالباب:
إحداها: ادعى دارًا، فأقر، فصالحه على عبد، فخرج مستحقًا، أو رده بعيب، أو هلك قبل القبض، رجعت الدار إلى الأوّل. وإن وجد به عيبًا بعد ما هلك، أو تعيب في يده أخذ من الدار بقدر ما نقص من قيمة العبد، كما لو باعها بعبد.
الثانية: ادعى عليه دارًا، فأنكره، فقال المدعي: أعطيك ألفًا وتقر لي بها، ففعل، فليس يصلح، ولا يلزم الألف، بل بذله وأخذه حرام. وهل يكون هذا إقرارًا؟ وجهان في "العدة" و"البيان".
الثالثة: صالح أجنبي عن المدعى عليه بعوض معين، فوجده المدعي معيبًا، فله رده ولا يرجع ببدله، بل ينفسخ الصلح ويرجع إلى خصومة المدعى عليه، وكذا لو خرج العوض مستحقًا. =

<<  <  ج: ص:  >  >>