للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فرع]

دَارٌ في يد إنسان، وقد حَكَمَ له حَاكِمٌ بِمِلْكِيَّتِهَا، فجاء خارج وادَّعَى انْتِقَالَ المِلْكِ منه إليه، وشَهِدَ الشُّهُودُ على انْتِقَالِهِ إليه بسبب صحيح، ولم يُبَيِّنُوهُ.

قال القاضي أبو سَعْدٍ: وقعت هذه المَسْأَلَةُ، فأفتى فيها فُقَهَاءُ "همذان" بِسَمَاعِ هذه البَيِّنَةِ، والحُكْمِ بها لِلْخَارج، كما لو عَيَّنُوا السَّبَبَ.

ورأيت في فَتَاوَى المَاوَرْدِيِّ، والقاضي أبي الطيب بخَطِّهِمَا كذلك، قال: وَمَيْلِي إلى أنها لا تُسْمَعُ، ما لم يُبَيِّنُوا، وهو طريقة القَفَّالِ وغيره؛ لأنَ أسباب (١) الانْتِقَالِ مُختَلفٌ فيها بين أهل العِلْمِ، فصار كالشَّهَادَةِ. على أن فُلاَنًا وَارِثٌ لا تُقْبَلُ ما لم يُبَيِّنُوا جهة الإِرْثِ. هذا تَمَامُ الكلاَم في تَعَارْضِ البَيِّنَتَيْنِ في الأَمْلاَكِ المُطْلَقَةِ. والله أعلم بالصواب.

قَالَ الْغَزَالِيُّ: الطَّرَفُ الثَّانِي فِي العُقُودِ وَفِيهِ مَسَائِلُ: الأُولَى: إِذَا قَالَ: أكْرَيْتُكَ البَيْتَ بِعَشَرَةٍ وَقَالَ المُكْتَرِي بَلْ كَرَيتَ الدَّار بِالعَشَرَةِ وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ بَيِّنَةً فَالأَصَحُّ أَنْ لاَ تَرْجِيحَ لِأَن هَذِهِ زِيَادَةٌ فِي المَشْهُودِ بِهِ، وَكَذَلِكَ لَوِ ادَّعَى أَحَدُهُمَا الكِرَاءَ عَشَرَةً وَالآخَرُ عِشْرِينَ فَيَتَعَارَضَانِ وَلاَ يَجْرِي إِلاَّ قَوْلُ التَّهَاتُرِ أَوِ القُرْعَةُ، أَمَّا القِسْمَةُ فَلاَ يُمْكِن إِذِ الزِّيَادَةُ يَدَّعِيهَا أَحَدُهُمَا وَيَنْفِيهَا الآخَرُ وَلاَ يُثْبِتُهَا لِنَفْسِهِ، وَقَوْلُ الوَقْفِ لاَ يُمْكِنُ إِذْ تَفُوتُ المَنَافِعْ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: إذا قال المُكْرِي: أَكْرَيْتُكَ هذا البَيْتَ من الدَّارِ شَهْرَ كذا بعشرة، وقال المُكْتَرِي: بل اكتريت جَمِيعَ الدَّارِ بالعشرة. فهذا اخْتِلاَفٌ بين المُتَكاريين في قَدْرِ المكري، فإن لم يَكُنْ لواحد منهما بَيِّنَةٌ، فَيَتَحَالَفَانِ، ثم يُفسخ العَقْدُ، أو ينفسخ، على ما تَبَيَّنَ في باب التَّحَالُف، وعلى المُكْتَرِي أُجْرَةُ مِثْلِ ما سَكَنَ من الدَّارِ، أو البيت.

وإن أَقَامَ أحدهما البَيِّنَةَ على ما يَقُولُهُ دُونَ الآخر، قُضِيَ بالبَيِّنَةِ المُقَامَةِ.

وإن أقام كل واحد منهما البَيِّنَةَ، فقولان، ويُقَالُ: وَجْهَانِ؛ لأن الأَوَّلَ منهما من تَخرِيجِ ابْنِ سُرَيْجٍ:

أحدهما: ويُحْكَى عن أبي حَنِيْفَةَ: أن بَيِّنَةَ المُكْتَرِي أَوْلَى؛ لاشْتِمَالِهَا على زَيادَةٍ، وهي اكْتِرَاءُ جميع الدَّارِ. واسْتُشْهِدَ لذلك بما لو شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بألفٍ، وبَيِّنَةٌ بألفين، يَثْبُتُ الألفان.

وأصحُّهما: وهو المنصوص: أن البَيِّنَتَينِ مُتَعَارِضَتَانِ، والزِّيَادَةُ المُرَجِّحَةُ هي المُشْعِرَةُ بِمَزِيدِ عِلْمٍ، وُوُضُوحِ حَالٍ في أحد جَانِبَيْ ما فيه التَّنَافي، كاستِنَادٍ إلى سَبَبٍ


(١) في ز: إثبات.

<<  <  ج: ص:  >  >>